بتخصيص مخصص، وبتقدير مقدر. وقال أبو بكر الأصم: المد البسط إلى ما يدرك منتهاه، أي جعل حجمها عظيما وإلا لما كمل الانتفاع بها. وقال قوم: كانت الأرض مدورة فمدها ودحاها من مكة من تحت البيت فذهبت كذا وكذا. وهذا إنما يتم إذا كانت الأرض مسطحة لا كرة، وهو خلاف ما ثبت بالدليل. ومد الأرض لا ينافي كونها كرة، ولان الكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح (1).
" وجعل فيها رواسي " أي جبالا ثابتة باقية في أحيازها غير منتقلة عن أمكنتها.
والاستدلال بها على وجود الصانع القادر الحكيم من وجوه: الأول أن طبيعة الأرض طبيعة واحدة، فحصول الجبل في بعض جوانبها دون البعض لابد وأن يكون بتخليق القادر الحكيم. قال (2) الفلاسفة: هذه الجبال إنما تولدت لان البحار كانت في هذا الجانب من العالم فكان يتولد من البحر طين لزج. ثم يقوى تأثير الشمس فيها فينقلب حجرا كما نشاهد في كوز الفقاع. ثم إن الماء كان يغور ويقل فيتحجر البقية، فلهذا السبب تولدت هذه الجبال. قالوا: وإنما كانت البحار حاصلة في هذا الجانب من العالم لان أوج الشمس وحضيضها متحركان، ففي الدهر الأقدم كان حضيض الشمس في جانب الشمال، والشمس متى كانت في حضيضها كانت أقرب إلى الأرض فكان التسخين أقوى، وشدة السخونة توجب انجذاب الرطوبات، فحين كان الحضيض في جانب الشمال كانت البحار في جانب الشمال، والآن لما انتقل الأوج إلى جانب الشمال والحضيض إلى جانب الجنوب انتقلت البحار إلى جانب الجنوب، فبقيت هذه الجبال في الشمال هذا حاصل كلام القوم في هذا الباب وهو ضعيف من وجوه:
الأول: أن حصول الطين في البحر أمر عام، فلم حصل الجبل في بعض الجوانب دون بعض (3)؟.
الثاني: هو أنا نشاهد في بعض الجبال كأن تلك الأحجار موضوعة سافا (4)