نخاعية، أما الدماغية فإنها سبعة، ثم أتعبوا أنفسهم في معرفة الحكم الناشئة من كل واحد من تلك الأرواح السبعة، ثم مما لا شك فيه أن كل واحد من تلك الأرواح السبعة تنقسم إلى شعب كثيرة، وكل واحد من تلك الشعب أيضا إلى شعب دقيقة أدق من الشعر، ولكل واحد منها ممر إلى الأعضاء، ولو أن شعبة واحدة اختلت إما بسبب الكمية والكيفية أو بسبب الوضع لاختلت مصالح البنية. ثم إن تلك الشعب الدقيقة تكون كثيرة العدد جدا، ولكل واحد منها حكمة مخصوصة، فإذا نظر الانسان في هذا المعنى عرف أن لله بحسب كل شظية من تلك الشظايا العصبية على العبد نعمة عظيمة لو فاتت لعظم الضرر عليه، وعرف قطعا أنه لا سبيل له إلى الوقوف عليها و الاطلاع على أحوالها، وعند هذا يقطع بصحة قوله تعالى " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " وكما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية فاعتبر مثله في الشرايين والأوردة في كل واحد من الأعضاء البسيطة والمركبة بحسب الكمية والكيفية والوضع والفعل والانفعال، وأقسام هذا الباب بحر لا يساحل. وإذا اعتبرت هذا في بدن الانسان الواحد فاعرف أقسام نعم الله تعالى في نفسه وفي روحه، فإن عجائب عالم الأرواح أكثر من عجائب عالم الأجساد. ثم لما اعتبرت حال الحيوان الواحد فعند ذلك اعتبر أحوال عالم الأفلاك والكواكب وطبقات العناصر وعجائب البر والبحر والنبات والحيوان وعند هذا تعرف أن عقول جميع الخلائق لو ركبت وجعلت عقلا واحدا، ثم بذلك العقل يتأمل الانسان في عجائب حكمة الله تعالى في أقل الأشياء لما أدرك منها إلا القليل!
فسبحانه وتقدس عن أوهام المتوهمين.
المثال الثاني: أنه إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في الفم فانظر إلى ما قبلها وما بعدها، أما الأمور التي قبلها أن (1) تلك اللقمة من الخبز لا تتم ولا تكمل إلا إذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه الأصوب، لان الحنطة لا بد منها، وإنها لا تنبت إلا بمعونة الفصول الأربعة وتركيب الطبائع وظهور الأرياح والأمطار، ولا يحصل شئ منها إلا بعد دوران الأفلاك واتصال بعض الكواكب ببعض على وجوه مخصوصة