وجعل الحيوان الأعجم دون الناطق، وجعل الحيوان الناطق أفضل من الحيوان الأعجم وجعل الحيوان الجاهل الناطق دون الحيوان العالم الناطق، وجعل الحيوان العالم الناطق المحجوج دون الحيوان العالم الحجة، ويجب على هذا الترتيب أن المعرب المبين أفضل من الأعجم غير الفصيح، ويكون المأمور المزجور مع تمام الشهوات وما فيهم من طباع حب اللذات ومنع النفس من الطلبات والبغيات ومع البلوى بعدو يمهل يمتحن بمعصيته إياه وهو يزينها له محسنا بوسوسته في قلبه وعينه أفضل من المأمور المزجور مع فقد آلة الشهوات وعدم معاداة هذا المتوصل له بتزيين المعاصي والوسوسة إليه. ثم هذا الجنس نوعان: حجة ومحجوج، والحجة أفضل من المحجوج، ولم يحجج آدم الذي هو أصل البشر بواحد من الملائكة تفضيلا من الله عز وجل إياه عليهم، وحجج جماهير الملائكة آدم، فجعله العالم بما لم يعلموا وخصه بالتعليم ليبين لهم أن المخصوص بما خصه به مما لم يخصهم أفضل من غير المخصوص بما لم يخصه به وهذا الترتيب حكمة الله عز وجل، فمن ذهب يروم إفسادها ظهر منه عناد من مذهبه وإلحاد في طلبه. فانتهى الفضل إلى محمد صلى الله عليه وآله لأنه ورث آدم وجميع الأنبياء، ولأنه الاصطفاء الذي ذكره الله عز وجل فقال " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (1) " فمحمد الصفوة والخالص، نجيب النجابة (2) من آل إبراهيم فصار خير آل إبراهيم بقوله " ذرية بعضها من بعض " واصطفى الله جل جلاله آدم ممن اصطفاه عليهم من روحاني وجسماني. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله [و] حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال الصدوق: إنما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب، وليس قولي في إبليس أنه كان من الملائكة، بل كان من الجن، إلا أنه كان يعبد الله بين الملائكة وهاروت وماروت ملكان، وليس قولي فيهما قول أهل الحشو، بل كانا عندي معصومين