دافعة للماته ووسوسته وخطراته، ولو كانت المحنة بالملعون واقعة بالملائكة، والابتلاء به قائما كما قام في البشر، ودائما كما دام، لكثرت من الملائكة المعاصي، وقلت فيهم الطاعات، إذا تمت فيهم الآلات، فقد رأينا المبتلى من صفوف (1) الملائكة بالأمر و الزجر مع آلات الشهوات كيف انخدع بحيث دنا من طاعته، وكيف بعد مما لم يبعد منه الأنبياء والحجج الذين اختارهم الله على علم على العالمين، إذ ليست هفوات البشر كهفوة إبليس في الاستكبار، وفعل هاروت وماروت في ارتكاب المزجور.
قال مفضلو الملائكة: إن الله جل جلاله وضع الخضوع والخشوع والتضرع والخنوع حلية، فجعل مداها وغايتها آدم عليه السلام ففازت الملائكة في هذه الحلية وأخذوا منها بنصيب الفضل والسبق، فجعل للطاعة فأطاعوا الله فيه، ولو كان هناك بنو آدم لما أطاعوه فيما أمر وزجر، كما لم يطعه قابيل، فصار إمام كل قاتل.
جواب مفضلي الأنبياء والحجج عليهم السلام، قالوا: إن الابتلاء الذي ابتلى به الله عز وجل الملائكة من الخشوع والخضوع لآدم عن غير شيطان مغو وعدو مطغي، فاصل بغوايته بين الطائعين والعاصين; والمقيمين على الاستقامة عن الميل، وعن غير آلات المعاصي التي هي الشهوات المركبات في عباده المبتلين، وقد ابتلى من الملائكة من ابتلى فلم يعتصم بعصمة الله الوثقى، بل استرسل للخادع الذي كان أضعف منها. وقد روينا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن في الملائكة من باقة بقل خير منه، والأنبياء والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه، وقد أقر مفضلو الملائكة بالتفاضل بينهم كما أقر بالتفاضل بين ذوي الفضل من البشر. ومن قال: إن الملائكة جنس من خلق الله عز وجل تقل فيهم العصاة كهاروت وماروت وكإبليس اللعين، إذ الابتلاء فيهم قل (2) فليس ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل الله عز وجل الملائكة خدمهم إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها حزن ولا هم ولا نصب ولا سقم ولا فقر.