فيكم أفضل ذلك، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم: أنتم أقوم الناس قبلة، قبلتكم على المقام حيث يقوم الامام بمكة، وقارئكم أقرأ الناس، وزاهدكم أزهد الناس، و عابدكم أعبد الناس، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته، ومتصدقكم أكرم الناس صدقة، وغنيكم أشد الناس بذلا وتواضعا، وشريفكم أحسن الناس خلقا وأنتم أكثر الناس جوارا، وأقلهم تكلفا لما لا يعنيه، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ثمرتكم أكثر الثمار، وأموالكم أكثر الأموال، وصغاركم أكيس الأولاد، ونساؤكم أمنع النساء وأحسنهن تبعلا، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحا لمعاشكم والبحر سببا لكثرة أموالكم، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلا وظلا ظليلا، غير أن حكم الله ماض، وقضاؤه نافذ لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.
يقول الله " وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا (1) " - ثم ساق الخطبة إلى قوله - إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوما وليس معه غيري: إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها وما يكون إلى يوم القيامة ولم يكبر ذلك [علي] كما لم يكبر على أبي آدم علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون، وإني رأيت بقعة على شاطئ البحر تسمى البصرة، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء، وأنها لأسرع الأرض خرابا وأخشنها ترابا وأشدها عذابا، ولقد خسف بها في القرون الخالية مرارا، و ليأتين عليها زمان، وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلاؤه، وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه، ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له، ومن بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه وما الله بظلام للعبيد.
توضيح: المؤتفكة: المنقلبة، والانقلاب هنا إما حقيقة كقرى قوم لوط أو لأنها غرقت كأنها انقلبت. طبقها الماء - بالتشديد - أي غطاها وعمها و