إلا كسفر على منهل (1) حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، ولا لذاذتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا وعلقم أتجرعه (2) زعاقا، وسم أفعاة (3) أسقاه دهاقا، وقلادة من نار أوهقها خناقا ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، وقال لي: اقذف بها قذف الأتن، لا يرتضيها ليراقعها، فقلت له: أعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى * وتنجلي عنا علالات الكرى، ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم، ولأكلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم، ولشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم، ولكني أصدق الله جلت عظمته حيث يقول: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار " (4) فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها، ولو اعتصمت نفس بقلة لأنضجها وهج النار في قلتها وإنما خير (5) لعلي أن يكون عند ذي العرش مقربا أو يكون في لظى خسيئا مبعدا، مسخوطا عليه بجرمه مكذبا، والله لان أبيت على حسك السعدان مرقدا وتحتي أطمار على سفاها ممددا، أو اجر في أغلالي مصفدا أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا خائنا في ذي يتمة أظلمه بفلسه متعمدا، (6) ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها، ويمتد في أطباق الثرى حلولها، وإن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها.
معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم (7) الدنيا بأنيابها، تختطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها، وهذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها، ألا إن الحديث ذو شجون،