عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، (1) ونعم الحكم الله، وما أصنع بفدك وغير فدك؟ والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، و حفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لا ضغطها الحجر والمدر وسد فرجها التراب المتراكم، وإنما هي نفسي أروضها (2) بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق (3) ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقيدني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة (4) من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أن أبيت (5) مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد (6) أأقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟ أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟ فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقمهما، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها، أو اترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف (7) طريق المتاهة، وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الاقران ومنازلة الشجعان، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا، و الرواتع الخضرة (8) أرق جلودا، والنابتات العذية (9) أقوى وقودا وأبطأ خمودا، و