لي إليك حاجة فإن قضيتها فلا كلام، وإن لم تقضها فما أنا بتاركتك حتى تقضيها لي، فقال لها: وما حاجتك؟ قالت: حاجتي أن تواقعني! فزجرها وخوفها من الله تعالى فلم يردعها ذلك، فقالت: والله لئن لم تفعل ما آمرك لأرمينك بداهية من دواهي النساء ومكرهم لا تنجو منها، فلم يلتفت إليها ولم يعبأ بها، فلما كان في بعض الليالي وقد سهر أكثر ليله بالعبادة فرقد في آخر الليل وغلب عليه النوم فأتته و تحت رأسه مزادة فيها زاده. فانتزعها من تحت رأسه وطرحت فيها كيسا فيه خمسمائة دينار، ثم أعادت المزادة تحت رأسه.
فلما ثور الوفد (1) قامت الملعونة من نومها وقالت: يا لله ويا للوفد، يا وفد أنا امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتي وما لي، وأنا بالله وبكم، فجلس المقدم على الوفد وأمر رجلا من المهاجرين والأنصار أن يفتشوا الوفد، ففتشوا الوفد فلم يجدوا شيئا، ولم يبق في الوفد إلا من فتش رحله، فلم يبق إلا المقدسي، فأخبروا مقدم الوفد بذلك فقالت المرأة: يا قوم ما ضركم لو فتشتموا رحله فله أسوة بالمهاجرين والأنصار، وما يدريكم أن ظاهره مليح وباطنة قبيح، ولم تزل المرأة حتى حملتهم على تفتيش رحله، فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يصلي، فلما رآهم أقبل عليهم وقال لهم: ما حاجتكم؟ فقالوا له: هذه المرأة الأنصارية ذكرت أنها سرقت لها نفقة كانت معها، وقد فتشنا رحال الوفد بأسرها ولم يبق منها غيرك، و نحن لا نتقدم إلى رحلك إلا بإذنك لما سبق من وصية عمر بن الخطاب فيما يعود إليك، فقال: يا قوم ما يضرني ذلك ففتشوا ما أحببتم، وهو واثق من نفسه، فلما نفضوا المزادة التي فيها زاده وقع منها الهميان، فصاحت الملعونة: الله أكبر هذا والله كيسي ومالي، وهو كذا وكذا دينارا، وفيه عقد لؤلؤ ووزنه كذا وكذا مثقالا، فأحضروه فوجدوه كما قالت الملعونة، فمالوا عليه بالضرب الموجع و السب والشتم وهو لا يرد جوابا، فسلسلوه وقادوه راحلا إلى مكة، فقال لهم:
يا وفد بحق الله وبحق هذا البيت إلا تصدقتم علي وتركتموني أقضي الحج و