اشهد الله تعالى ورسوله علي بأني إذا قضيت الحج عدت إليكم وتركت يدي في أيديكم، فأوقع الله تعالى الرحمة في قلوبهم له فاطلقوه.
فلما قضى مناسكه وما وجب عليه من الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم:
أما إني قد عدت إليكم فافعلوا بي ما تريدون، فقال بعضهم لبعض، لو أراد المفارقة لما عاد إليكم، فتركوه ورجع الوفد طالبا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله، فأعوزت (1) تلك المرأة الملعونة الزاد في بعض الطريق، فوجدت راعيا فسألته الزاد، فقال لها:
عندي ما تريدين غير أني لا أبيعه فإن آثرت أن تمكنيني من نفسك أعطيتك، ففعلت ما طلب وأخذت منه زادا، فلما انحرفت عنه اعترض لها إبليس لعنه الله فقال لها: أنت حامل، قالت: ممن؟ قال: من الراعي، فصاحت وا فضيحتاه، فقال: لا تخافي إذا رجعت إلى الوفد قولي لهم إني سمعت قراءة المقدسي فقربت منه، فلما غلب علي النوم دنا مني وواقعني ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي بعد القراءة، وقد حملت منه وأنا امرأة من الأنصار، وخلفي جماعة من الأهل.
ففعلت الملعونة ما أشار به عليها إبليس لعنه الله، فلم يشكوا في قولها لما عاينوا أولا من وجود المال في رحله، فعكفوا على الشاب المقدسي وقالوا: يا هذا ما كفاك السرقة حتى فسقت؟ فأوجعوه شتما وضربا وسبا، وعادوه إلى السلسلة وهو لا يرد جوابا، فلما قربوا من المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - خرج عمر بن الخطاب ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد، فلما قربوا منه لم يكن له همة إلا السؤال عن المقدسي، فقالوا: يا أبا حفص ما أغفلك عن المقدسي! فقد سرق وفسق، وقصوا عليه القصة، فأمر بإحضاره بين يديه فقال له: يا ويلك يا مقدسي تظهر بخلاف ما تبطن حتى فضحك الله تعالى؟ لأنكلن بك أشد النكال، وهو لا يرد جوابا.
فاجتمع الخلق وازدحم الناس لينظروا ماذا يفعل به؟ وإذا بنور قد سطع و