بترك التعرض لهم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: أجمع القوم وادع لي شرطة الخميس ثم جلس ودعا النفر والحدث معهم، ثم سأله عما قال، فأعاد الدعوى وجعل يبكي ويقول: أنا والله أتهمهم على أبي يا أمير المؤمنين، فإنهم احتالوا عليه حتى أخرجوه معهم، وطمعوا في ماله، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام القوم فقالوا (1) كما قالوا لشريح: مات الرجل ولا نعرف له مالا، فنظر في وجوههم ثم قال: ماذا تظنون؟ أتظنون أني لا أعلم ما صنعتم بأبي (2) هذا الفتى إني إذا لقليل العلم؟
ثم أمر بهم أن يفرقوا، ففرقوا في المسجد، وأقيم كل رجل منهم إلى جانب أسطوانة من أساطين المسجد، ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه يومئذ فقال له: اجلس، ثم دعا أحدا منهم (3) فقال له: أخبرني ولا ترفع صوتك: في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الغلام معكم؟ فقال: في يوم كذا وكذا، فقال لعبيد الله: اكتب، ثم قال له: في أي شهر كان؟ قال: في شهر كذا، قال: اكتب، ثم قال: في أي سنة؟
قال: في سنة كذا، فكتب عبيد الله ذلك، (4) قال: فبأي مرض مات؟ قال: بمرض كذا، قال: في أي منزل مات؟ قال: في موضع كذا، قال: من غسله وكفنه؟
قال: فلان، قال: فبم كفنتموه؟ قال: بكذا، قال: فمن صلى عليه؟ قال: فلان قال: فمن أدخله القبر؟ قال: فلان، وعبيد الله بن أبي رافع يكتب ذلك كله.
فلما انتهى إقراره إلى دفنه كبر أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرة سمعها أهل المسجد ثم أمر بالرجل فرد إلى مكانه، ودعا بآخر من القوم فأجلسه بالقرب منه، ثم سأله عما سأل الأول عنه، فأجاب بما خالف الأول في الكلام كله، وعبيد الله بن أبي رافع يكتب ذلك، فلما فرغ من سؤاله كبر تكبيرة سمعها أهل المسجد، ثم أمر بالرجلين جميعا أن يخرجا من المسجد نحو السجن فيوقف بهما على بابه، ثم