حواشي الكشاف: أن عمر ضرب كاتبا كتب بين يديه: بسم الله الرحمن الرحيم.. ولم يبين السين.
.. إلى غير ذلك من الموارد الآتية السالفة والتي تركناها خوف الإطالة.
أقول: وبعد كل هذا وغيره فإن خشونة الرجل وفضاضته وجلفه أغضب رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر من مرة، فقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢١٦ عن ابن عباس، قال: لما توفى ابن لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فبكت عليه وصاحت.. إلى أن قال:
فاستقبلها عمر بن الخطاب، فقال: يا صفية! قد سمعت صراخك، إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه و [وآله] وسلم - وكان يكرمها ويحبها -، فقال: يا عمة! أتبكين وقد قلت لك ما قلت؟!، قالت:
ليس ذاك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطاب فقال: إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لن تغني عنك من الله شيئا. قال: فغضب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.. إلى أن قال: فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع، كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة..
الحديث.
وأورده السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٤٥١، ذيل قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين..) (التوبة ٦٠). قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني.. في قصة عيينة ابن حصن والأقرع بن حابس، وكتابة أبي بكر لهما كتابا وتناول عمر له تفله فيه ومحوه إياه، وقولهم له مقالة سيئة. وزاد في ذيله المتقي الهندي في كنز العمال ٢ / ١٨٩:.. فأقبلا إلى أبي بكر - وهما يتذمران - فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر. فقال: بل هو، ولو شاء كان. قال: أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه ويعقوب بن سفيان وابن عساكر، وذكره العسقلاني أيضا في الإصابة ٥ / ٥٦، وأورده أيضا في كنز العمال ٦ / ٣٣٥ باختلاف يسير.
ومنها: قصة الدرة - التي هي أهيب من سيف الحجاج، كما قالوا - خير شاهد على خشونته وقساوته، وقد مرت قبلا. وهو يضرب تارة: بدرته، وأخري، بمخفقته، وثالثة: بجريدته و...
و..
ومنها ما أخرجه ابن ماجة في أبواب النكاح باب ضرب النساء، بسنده عن الأشعث بن قيس، قال: ضفت عمر، فلما كان في جوف الليل قام إلي امرأته يضربها، فحجزت بينهما، فلما آوى إلى فراشه امرأته..! الحديث. وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده ١ / ٢٠ خاليا من حجز الأشعث بين الخليفة وزوجته.
أقول: هذه من تقولاته على رسول الله (ص) بلا شبهة، ولا شك بكونها تتنافى مع روح الاسلام، وضرورة العقل والفطرة، قال في السبعة من السلف: ١١٠ - ١١١:.. فالذي أحتمله قويا - بل أجزم به - أنه ضرب امرأته في تلك الليلة ظلما وعدوانا، وقد عرف ذلك منه الأشعث، فافترى هذا الحديث على النبي صلى الله عليه وآله لا يعترض عليه بما ارتكبه ويعاتبه على مالا ينبغي صدوره من قبله.
أقول: هذا حديث لا يعرف إلا منه، كقوله، إن الميت يعذب ببكاء الحي.. وغيرهما كلها شاهد صدق على مدى ما بلغ الرجل من الشدة والخبث، وكم ضرب نساءه - وأبناءه كما مر وسيأتي - كضربه لزوجته عاتكة بنت زيد حتى نغض رأسها، كما جاء في الطبقات لابن سعد ٣ / ٣٠٨.
ومنها: ما ذكره الطبري في تاريخه ٤ / ٢٠٦: في سنة ١٧ من الهجرة: اعتمر عمر بن الخطاب وبنى المسجد الحرام ووسع فيه، وأقام بمكة عشرين ليلة، وهدم على أقوام من جيران المسجد أبو أن يبيعوا... وانظر: فتوح البلدان للبلاذري: ٥٣، وسنن البيهقي ٦ / ١٦٨، والكامل لابن الأثير ٢ / ٢٢٧، وتذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ٧، والدر المنثور ٤ / ١٥٩، ووفاء الوفاء ١ / ٣٤١ - ٣٤٩، وغيرها.
أقول: ثم إنه قد نهى الخليفة عن البكاء على الميت ونهى عن نهيه صاحب الرسالة وما انتهى، وبقيت عقدة ذلك إلى أن مات، حتى اضطر إلى أن جعل حديثا على لسان رسول الله (ص) من: أن الميت ليعذب ببكاء الحي، وقد ناقشه بما لا مزيد عليه شيخنا الأميني في غديره ٦ / ١٥٦ - ١٦٧، و...
وفي أكثر من رواية وبألفاظ مختلفة وفي زمن صاحب الرسالة نهى عن البكاء حيث إن نساء المهاجرين والأنصار لما بكين عند موت زينب ورقية بنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل عمر يضربهن بالسوط، وأخذ رسول الله (ص) يده وقال: مهلا يا عمر! دعهن يبكين..، كما أوردها ابن حنبل في مسنده ١ / ٢٣٧ و ٣٣٥، ٣ / ٣٣٣، و ٤ / ٤٠٨، ومستدرك الحاكم ١ / ٣٨١، و ٣ / ١٩١، ومسند الطيالسي: ٣٥١، والاستيعاب - ترجمة عثمان بن مظنون - ٢ / ٤٨٢، ومجمع الزوائد ٣ / ١٧، والسنن الكبرى ٤ / ٧٠، وعمدة القارئ ٤ / ٨٧.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١ / ١٨١ [١ / ٦٠ - أربع مجلدات]: إن أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت قحافة، مات أبو بكر فناح النساء عليه وفيهن أخته أم فروة، فنهاهن عمر مرارا، وهن يعاودن، فأخرج أم فروة من بينهن وعلاها بالدرة.. أقول: هذا لعله أول مرة بعد تولية الخلاقة، والا كم ضرب قبلها، وحسبنا السقيفة وعند دار فاطمة سلام الله عليها، وقصته مع خالد في واقعة مالك بن نويرة وغيرهم، وأما بعدها فحدث ولاحرج.
ولعل أوج قساوته وغاية حدته حده لابنه بعد الحد! ثم قتله، وهو ما رواه البيهقي في السنن الكبرى ٨ / ٣١٢، وابن عبد البر في العقد الفريد ٣ / ٤٧٠، والخطيب البغدادي في تاريخه ٥ / ٤٥٥، وابن الجوزي في سيرة عمر: ١٧٠، والمحب الطبري في الرياض النضرة ٢ / ٣٢، والقسطلاني في إرشاد الساري ٩ / ٤٣٩، وأبو عمر وفي الاستيعاب ٢ / ٣٤٩، وابن حجر في الإصابة ٢ / 349 وغيرهم، وحاصل القصة أن عبد الرحمن بن عمر الأوسط وهو أبو شحمة، وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر بأمر الخليفة، ثم حمله إلى المدينة على قتب وحده، وفي بعض الروايات: فجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض وأنت قاتلي، فضربه الحد ثانيا وحبسه، ثم مرض فمات.. وفيها موارد للدقة والعجب، أعرضنا عن ذكرها فصل بعضها شيخنا الأميني في غديره 6 / 316 - 319.