ذلك من حسن سياسته.
ووجه البدعة فيه ظاهر، فإن إخراج نصر من المدينة وتغريبه ونفيه عن وطنه بمجرد أن امرأة غنت بما يدل على هواها فيه ورغبتها إليه مخالف لضرورة الدين، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1)، ولا ريب في (2) أن التغريب تعذيب عنيف وعقوبة عظيمة، ولم يجعل الله تعالى في دين من الأديان حسن الوجه ولا قبحه منشأ لاستحقاق العذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد كان يمكنه دفع ما زعمه مفسدة من افتتان (3) النساء به بأمر أخف من التغريب وإن كان بدعة أيضا، وهو أن يأمره بالحجاب وستر وجهه عن النساء أو مطلقا حتى لا يفتنن به أحد.
ثم ليت شعري ما الفائدة في تسيير نصر إلى البصرة، فهل كانت نساء البصرة أعف وأتقى من نساء المدينة، مع أنها (مهبط إبليس ومغرس الفتنة) (4)؟!.
اللهم إلا أن يقال: لما كانت المدينة يومئذ مستقر سلطنة عمر كان القاطنون بها أقرب إلى الضلال ممن نشأ في مغرس الفتنة، وقد حمل أصحابنا على ما يناسب هذا المقام ما روي في فضائل عمر: ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك، وكأنه المصداق لما قيل:
وكنت امرء من جند إبليس فارتقت * بي الحال حتى صار إبليس من جندي وهذه البدعة من فروع بدعة أخرى له عدوها (5) من فضائله، قالوا: هو أول من عس في عمله بنفسه، وهي مخالفة للنهي الصريح في قوله تعالى: (ولا