معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين (عليهما السلام) بيمنى يديه، وعلى الفضل بن عباس باليد الأخرى، حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال: " معاشر الناس وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها، ومن كان له علي دين فليخبرني به، معاشر الناس ليس بين الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا، أو يصرف عنه به شرا إلا العمل، أيها الناس لا يدعي مدع ولا يتمنى متمن، والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت اللهم هل بلغت.
ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة، ثم دخل بيته وكان إذا ذاك في بيت أم سلمة رضي الله عنها، فأقام به يوما أو يومين، فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله، وسألت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك فأذن لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة، واستمر به المرض فيه أياما وثقل، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مغمور بالمرض، فنادى: الصلاة يرحمكم الله، فاؤذن رسول الله بندائه، فقال: يصلي بالناس بعضهم فإني مشغول بنفسي، فقالت عائشة:
مروا أبا بكر، وقالت حفصة: مروا عمر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سمع كلامهما ورأي حرص كل واحد (1) منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حي: " اكففن فإنكن صويحبات يوسف " ثم قام (صلى الله عليه وآله) مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين، وقد كان (صلى الله عليه وآله) أمرهما بالخروج ما أسامة ولم يك عنده أنهما قد تخلفا، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة، فقام (صلى الله عليه وآله) وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف، فأخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن العباس، فاعتمد عليهما و رجلاه يخطان الأرض من الضعف، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه، فتأخر أبو بكر، وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقامه فكبر (2) وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر، ولم يبن على ما