رضي الله عنها: ادعوا له عليا (عليه السلام) فإنه لا يريد غيره، فدعي أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما دنا منه أومأ إليه، فأكب عليه فناجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) طويلا، ثم قام فجلس ناحية حتى أغفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أغفي خرج فقال له الناس: ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن؟ فقال: علمني ألف باب من العلم، فتح لي كل باب ألف باب، وأوصاني بما أنا قائم به إنشاء الله تعالى، ثم ثقل وحضره الموت وأمير - المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده، فلما قرب خروج نفسه قال له: " ضع يا علي رأسي في حجرك، فقد جاء أمر الله تعالى، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري، وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى " فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره، فأغمي عليه، فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي - طالب لا تقوليه، ولكن قولي: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " (1) فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها له، ثم قبض (صلى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه (صلى الله عليه وآله) فيها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره، واشتغل بالنظر في أمره، فجاءت الرواية أنه قيل لفاطمة (عليها السلام):
ما الذي أسر إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته؟ قالت: إنه أخبرني أنني أول أهل بيته لحوقا به، وأنه لن تطول المدة لي بعده حتى أدركه (2)، فسرى ذلك عني (3).