رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار، ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله " فكان (صلى الله عليه وآله) يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه، ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الامرة، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي (1) المهاجرين و الأنصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة، و يطمع في التقدم على الناس بالامارة، ويستتب (2) الامر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع، فعقد له الامرة على ما ذكرناه، وجد في إخراجهم وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحث الناس على الخروج إليه (3) والمسير معه، وحذرهم من التلوم والابطاء عنه، فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع، فقال للذي اتبعه:
إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم، و قال: " السلام عليكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها " (4) ثم استغفر لأهل البقيع طويلا، وأقبل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: " إن جبرئيل (عليه السلام) كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة، وقد عرضه علي العام مرتين، ولا أراه إلا لحضور أجلي ثم قال: " يا علي إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة (5)، فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنا مت فاستر عورتي (6) فإنه لا يراها أحد إلا أكمه " ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا، ثم خرج إلى المسجد (7)