من رحم الله، يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره، وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها، ثم استيقظت منها، يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله عز وجل فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم (1).
بيان: قوله: كأن شيئا من الدنيا، لعل المراد أن ما يتصور في هذه الدنيا إما شئ ينفع خيره، أو شئ يضر شره، فاختر ما ينفع دون ما يضر، أوكل شئ في الدنيا له جهة نفع وجهة شرى، فاحترز عن جهة شره، ويمكن أن يقرأ " ألا " بالتخفيف بأن تكون ما نافية، وفيه بعد.
12 - الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن بعض أصحابه، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن واصل، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا با ذر ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا، وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب، فقال له:
فيكف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، و أما المسيئ (2) فكالآبق يرد على مولاه، قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالكم على الكتاب، إن الله يقول: " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم (3) " قال: فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال رحمة الله قريب من المحسنين، قال أبو عبد الله (عليه السلام): وكتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا با ذر أطرفني بشئ من العلم، فكتب إليه: إن العلم الكثير، ولكن إن قدرت على أن لا تسئ إلى من تحبه فافعل، فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسيئ إلى من يحبه؟ فقال:
نعم، نفسك أحب الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها (4).
13 - الكافي: حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن أيوب و