ما زالت في عينك انتظارا أن تؤمي إلى فأقتله، فقال له رسول الله: " إن الأنبياء لا تكون لهم خائنة أعين " وهذا الوجه يقارب الأول في المعنى.
فإن قيل: فما المانع مما وردت به الرواية من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى في بعض الأحوال زينب بنت جحش فهواها، فلما أن حضر زيد لطلاقها أخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعده وهواه لها، أوليس الشهوة عندكم التي قد تكون عشقا على بعض الوجوه من فعل الله تعالى، وأن العباد لا يقدرون عليها، وعلى هذا المذهب لا يمكنكم إنكار ما تضمنه السؤال؟
قلنا: لم ننكر ما وردت به هذه الرواية الخبيثة من جهة أن الشهوة تتعلق بفعل العباد، وأنها معصية قبيحة، بل من جهة أن عشق الأنبياء (عليهم السلام) لمن ليس يحل لهم من النساء منفر عنهم، وحاط من رتبتهم ومنزلتهم، وهذا مما لا شبهة فيه وليس كل شئ وجب أن يجنب عنه الأنبياء (عليهم السلام) مقصورا على أفعالهم (1) إن الله قد جنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة وكل ذلك ليس من فعلهم، وأوجبنا أيضا أن يجنبوا الأمراض المشوهة والخلق المشينة كالجذام والبرص وقباحة الصور وأضرابها، وكل ذلك ليس من مقدورهم ولا فعلهم، وكيف يذهب على عاقل أن عشق الرجل زوجة غيره منفر عنه معدود في جملة معائبه ومثالبه، ونحن نعلم أنه لو عرف بهذه الحال بعض الامناء أو الشهود لكان ذلك قادحا في عدالته وخافضا من منزلته، وما يؤثر في منزلة أحدنا أولى أن يؤثر في منازل من طهره الله وعصمه وأكمله وأعلى منزلته، وهذا بين لمن تدبره (2). انتهى كلامه، رفع الله مقامه وقد مضى الكلام في خصائصه (صلى الله عليه وآله) في أمر أزواجه في باب فضائله (صلى الله عليه وآله).
1 - تفسير علي بن إبراهيم: حميد بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام) في قوله تعالى: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى قال: أي ستكون جاهلية أخرى (3).