ما غيره أولى منه، وليس يكون (صلى الله عليه وآله) بترك الا ولى عاصيا، وليس يمتنع على هذا الوجه أن يكون صبره على قرف المنافقين وإهوانه (1) بقولهم أفضل له وأكثر ثوابا فيكون إبداء ما في نفسه أولى من إخفائه، على أنه ليس في ظاهر الآية ما يقتضي العتاب ولا ترك الأولى، وأما إخباره بأنه أخفى ما الله مبديه فلا شئ فيه من الشبهة، وإنما هو خبر محض، وأما قوله: " وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " ففيه أدنى شبهة، وإن كان الظاهر لا يقتضي عند التحقيق ترك الأفضل، لأنه خبر (2) أنه يخشى الناس وإن الله أحق بالخشية، ولم يخبر أنك لم تفعل الأحق، أو عدلت إلى الأدون، ولو كان في الظاهر بعض الشبهة لوجب أن يترك ويعدل (3) عنه للقاطع من الأدلة، وقد قيل: إن زيد بن حارثة لما خاصم زوجته ابنة جحش (4) وهي ابنة عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشرف على طلاقها أضمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه إن طلقها زيد تزوجها من حيث كانت ابنة عمته، وكان يحب ضمها إلى نفسه، كما يحب أحدنا ضم قراباته إليه حتى لا ينالهم بؤس (5) فأخبر الله تعالى رسوله والناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه، ليكون ظاهر الأنبياء وباطنهم سواء، و لهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأنصار يوم فتح مكة وقد جاءه عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح وسأله أن يرضى عنه، وكان رسول الله (صلى الله عليه آله) قبل ذلك قد هدر دمه فأمر بقتله (6)، فلما رأى عثمان استحيى من رده وسكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين فلم يفعل المؤمنون ذلك انتظارا منهم لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجددا، فقال للأنصار: ما كان (7) منكم رجل يقوم إليه فيقتله؟ فقال له عباد بن بشر: يا رسول الله إن عيني
(١٨٨)