وأن ينصح لله عز وجل في عباده، ولا يدهن في أمره، وذكرتما محمدا بما حكمت له به الشهادات الصادقة، وبينته فيه الاسفار المستحفظة، ورأيتماه مع ذلك مرسلا إلى قومه لا إلى الناس جميعا، وأن ليس بالخاتم الحاشر، ولا الوارث العاقب، لأنكما زعمتماه أبتر، أليس كذلك، قالا: نعم، قال: أرأيتكما لو كان له بقية وعقب هل كنتما ممتريين (1) لما تجدان وبما تكذبان (2) من الوراثة والظهور على النواميس أنه النبي الخاتم والمرسل إلى كافة البشر قالا: لا، قال: أفليس هذا القيل لهذه الحال مع طول اللوائم والخصائم عندكما مستقر؟ (3) قالا: أجل، قال: الله أكبر، قالا: كبرت كبيرا، فما دعاك إلى ذلك؟ قال حارثة: الحق أبلج، والباطل لجلج، ولنقل ماء البحر ولشق الصخر أهون من إماتة ما أحياه الله عز وجل، وإحياء (4) ما أماته الآن فاعلما أن محمدا غير أبتر (5)، وأنه الخاتم الوارث، والعاقب الحاشر حقا، فلا نبي بعده، وعلى أمته تقوم الساعة، ويرث الله الأرض ومن عليها، وإن من ذريته الأمير الصالح الذي بينتما ونبأتما أنه يملك مشارق الأرض ومغاربها، ويظهره عز وجل بالخفية (6) الإبراهيمية على النواميس كلها، قالا: أولى: لك يا حارثة لقد أغفلناك (7) وتأبى إلا مراوغة كالثعالبة (8) فما تسأم المنازعة، ولا تمل من المراجعة، ولقد زعمت مع ذلك عظيما فما برهانك به؟ قال: أما وجدكما لأنبئكما (9) ببرهان يجير من الشبهة، ويشفي به جوى الصدور، ثم أقبل على أبي حارثة حصين بن علقمة شيخهم وأسقفهم الأول فقال: إن رأيت أيها الأب الأثير أن تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا بإحضار الجامعة والزاجرة: قالوا:
(٣٠٥)