كشفا واضحا، وكيف لا يفهم خليفتهم عمر ذلك كله ولا حضره ولا أخبره أحد ثم هب أنه اشتبه الأمر في وفاة نبيهم فهلا قال يمكن أن يكون ما مات رسول الله، فمن أين قطع على أنه ما مات ولا يموت؟ وهب أنه اعتقد ذلك بسوء نظره، فمن أين حكم أنه يبعث ويقطع أيدي قوم وأرجلهم؟ وكيف استحسن لنفسه هذه الأقوال التي لا يعلمها إلا الله أو من يوحى الله إليه؟ أتراه كان يدعي أنه يوحى إليه؟ أو كان يعلم أنه ما سمع ذلك من نبيهم وتعمد الكذب عليه.
ومن طريف ما رأيت من اعتذار عمر عن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمر في سادس عشر حديثا من أفراد البخاري من رواية الزهري عن أنس أنه سمع خطبة عمر ابن الخطاب الأخيرة حين جلس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله " ص "، فشهد أبو بكر صامت لا يتكلم، قال عمر: أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة وأنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلتها لكم في كتاب أنزلها الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله " ص " ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا ويكون آخرنا (1).
(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب: انظر كيف اعترف عمر أنه تعمد الكذب في أمور يسندها إلى الله ورسوله، وأقدم على المجاهرة بذلك من غير ضرورة وترك المراقبة لله ولرسوله والحياء من الصحابة والمسلمين، وكيف يحصل الثقة بعد ذلك بإخباره وأقواله وأفعاله؟ أتراه ما فهم إن هذه الأقوال كذب على الله ورسوله فإنه قال: ما مات ولا يموت وقد قال الله ورسوله خلاف ذلك وقال: ليبعثن وليقطعن أيدي قوم وأرجلهم وما قال الله ورسوله ذلك، ولقد رأيت في كتبهم الصحاح تعظيم الكذب على الله ورسوله.