بكثرة الشكر فان الشكر يبقى السابق ويجلب اللاحق، بدليل قوله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم (1) فان قيل: ان هذه الآية تدل على أن الشكر سبب لزيادة اللاحق ولا تدل على كونه سببا لبقاء السابق؟ قلنا: هذا ممنوع فان زيادة اللاحق تستلزم بقاء السابق، فالدلالة على الزيادة تستلزم الدلالة على البقاء، فافهم.
95 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذ قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه.
أقول: يعنى ان القدرة على قهر العدو نعمة، والشكر على النعمة واجب، والعفو لكونه مما أمر به الشارع من جملة الشكر فإذا أردت الشكر على هذه النعمة فالأولى ان تشكر بالعفو عنه، فإنه أمر مرغوب في نفسه، سبب لارتفاع شأن صاحبه كما حكى أن داود النبي - عليه الصلاة والسلام - سأل كلاما من أبنائه في آخر حياته وهو: إذا أذنب أحد كيف تعاقبه؟ - فأجاب كل واحد منهم وقال: أعاقبه على قدر ذنبه، ثم سأل سليمان النبي عليه الصلاة والسلام عنه فأجاب هو وقال: عفوته، ثم سأل فقال: فان عاد فكيف تفعل؟ - فقال: عفوته، ثم قال: فان عاد فكيف تفعل؟ - فقال: عفوته، ثم بعد مرات كثيرة من السؤال والجواب قال سليمان: عفوت حتى يستحى ان يعود إلى ذلك الذنب، فدعا له داود عليه السلام وقال: أنت أحق بالحكومة والسلطنة وأليق بالجلوس في سرير الخلافة، والله أعلم بالصواب.
96 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
ما أضمر أحد شيئا الأظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.
أقول: يعنى لا تظن انك تضمر معنى في قلبك ولم يطلع علية أحد فإنه أمر