فالأولى للعاقل ان يقنع بكنز القناعة ويحترز عن الذل والفضاحة فان المقسوم لا يمنع، والحرص عليه لا ينفع، كما قيل: بيت:
دع الحرص على الدنيا * وفيها الرزق لا تطمع فان الرزق مقسوم * وسوء الظن لا ينفع فقير كل ذي حرص * غنى كل من يقنع 19 - قال أمير المؤمنين رضي الله عنه:
لا راحة مع الحسد.
أقول: الحسد هو ان تتمنى زوال نعمة المحسود وانتقالها إليك، وقيل: إرادة زوال نعمة فيها صلاح صاحبها عنه حسد، وإرادة مثلها لنفسه غبطة (1)، وإرادة زوال نعمة ليس فيها صلاح صاحبها غيرة، مثلا ان إرادة زوال العلم عمن يعمل به حسد، وعمن لا يعمل به غيرة، وإرادة مثله غبطة، فالآخران جائزان دون الأول، فإنه المفسد للطاعات والحامل على الخطيئات، كما قتل أحد ابني آدم الاخر حسدا، وقال بعضهم:
الحاسد جاحد لأنه لا يرضى بقضاء الواحد.
المعنى - لا يخلو العالم عن النعم، ومريد زوالها يدوم في الحزن والغم، والغم فلا يستريح أصلا، كمن اكل السم، فاللازم لكل أحد ان يتقى من (2) الحسد فان اثره يتبين في الحاسد قبل ان يتبين في المحسود، ونقل عن الأصمعي أنه قال: سألت أعرابيا اتى عليه مائة وعشرون سنة، فقلت: ما أطول عمرك؟! فقال: تركت الحسد فبقيت.