سوى تدريسه وتعليمه حتى آناء الليل كما قاله ابن أبي يعلى.
كل ذلك ينبئ عن سداد إيمانه بالحق، وتنمره في ذات الله تعالى، وتصلبه في الدين، وعمله لصميم الحق، وتفانيه في الولاء ولاء أي ولاء، ولاء النبي وعترته، وصهره وذريته - صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
وتلاميذه ومتخرجي مدرسه جماعة بهم يفتخر الفخر ويتشرف الدهر، فما منهم إلا قمر فضل دار في فلك العلم، وهلال مجد لاح في سماء الفهم والجد والعمل.
أما الفقاهة ففيهم مؤسس أصولها ومبين فروعها. وأما البلاغة ففيهم من هو فارس ميدانها وناظم دررها بعيقانها. وأما الكلام ففيهم من هو ابن بجدته بل تاريخه وعنوانه وحدقته وإنسانه. ولكل منهم آراء وأقوال تعرض في حلي البيان، وتنقش في فص الزمان تحفظ وتقرأ، وتذكر وتشكر على وجه الدهر، وهو في كل ذلك رائش نبلهم، ونبعة فضلهم، وصار كل واحد منهم إماما يشار إليه، فسبحان واهبه ما أفضل ما أعطاه، ركب أولا دوحته في قرار المجد، وغرس نبعته في محل الفضل، ثم منحه قريحة وقادة مع دقة الفطنة، وفضل النبوغ، وكمال العقل، وحدة الذكاء فصار في العلم والفضيلة بحرا لا تعكره الدلاء بشهادة الأعداء وإجماع الأولياء، تخاريجه كلها جيدة، وإلزاماته كلها لازمة، ونظرياته صائبة، استنار على صفحات الكتب آثار أفكاره النقادة، وتلألأ في دياجير الشبهات أنوار قريحته الوقادة.
موضعه في أقرانه موضع الواسطة من العقد العسجدي ويزيد عليهم زيادة الشمس على البدر، والبحر على القطر، كأنهم جسد هو قلبه، وفلك هو قطبه، إن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق، كان أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا، وأكثرهم نبلا، وأخشنهم لباسا، وأجشبهم طعاما، وأوفرهم من العقل حظا، وأعلاهم في العلم كعبا، وأشدهم في سبيل الحق اجتهادا.