أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام. والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار (1). إن العبد المؤمن إذا دفن قالت الأرض له: مرحبا وأهلا، قد كنت ممن أحب أن يمشي على ظهري، فإذا توليتك فستعلم كيف صنعي بك (2)، فتتسع له مد البصر، وإن الكافر إذا دفن قالت الأرض له: لا مرحبا ولا أهلا، قد كنت من أبغض من يمشي على ظهري، فإذا توليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتضمنه حتى تلتقي أضلاعه.
وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر، أن يسلط الله على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا، فينهشن لحمه، ويكسرن عظمه، يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث. لو أن تنينا منها نفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا.
اعلموا يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة، وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير [من العقاب] تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم (3) مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله، واتركوا ما كره الله.
يا عباد الله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه الكبير، ويسقط فيه الجنين، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير، يوم كان شره مستطيرا. إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم، وترعد منه السبع الشداد، والجبال الأوتاد، والأرض المهاد، وتنشق السماء فهي يومئذ واهية، وتصير وردة كالدهان (4)، وتكون