والثانية: انه كلما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه.
وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر، ولا يخالف فيها أحد من الإمامية بل ولا من غيرهم لأن المخالف من العامة إنما منع لزعمه أنه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه. اما من يقول بإمكان وقوعها له وهم جميع الإمامية فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار، إلا أن يخرق الإجماع في إحدى المقدمتين على أن هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله إلى زماننا هذا، وقد تقرر أن إجماعهم حجة قطعية.
فإن قلت: فهلا اشتهر الاستئجار على ذلك والعمل به عن النبي والأئمة (عليهم السلام)، كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة؟
قلت: ليس كل واقع يجب اشتهاره، ولا كل مشهور يجب الجزم بصحته، فرب مشهور لا أصل له، ورب متأصل لم يشتهر، إما لعدم الحاجة إليه في بعض الأحيان (أو) (1) لندور وقوعه.
والأمر في الصلاة كذلك، فإن سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة والنافلة، على حد لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلا لعذر بعيد، كمرض موت أو غيره. وإذا اتفق فوات فريضة بادروا إلى فعلها لأن أكثر قدمائهم على المضايقة المحضة، فلم يفترقوا إلى هذه المسألة، واكتفوا بذكر قضاء الولي لما فات الميت من ذلك على طريقة الندور. يعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها.
فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير، واستولى عليهم فتور الهمم، حتى آل الحال إلى أنه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلا أوحديهم، ولا مبادر بقضاء الفائت إلا أقلهم، فاحتاجوا إلى استدرك ذلك بعد الموت لظنهم عجز