والتغيير والحذف فيما أنزله الله تعالى من القرآن على محمد (صلى الله عليه وآله) ورفعه لا يضر لإعتضاده بأخبار أخر من طرقنا وهي كثيرة مذكورة في كتاب الروضة وغيره، وقد دل الأخبار من طرقهم أيضا على وقوع التغيير لأنهم رووا أن القرآن نزل على سبعة أحرف وقد فسره كثير منهم بأن المراد بالأحرف لغات العرب وبأن العرب كانوا يقرؤونه بلغاتهم إلى عهد عثمان فلما ملك عثمان أمر الأمة أمر الصحابة بجمع مصحف غير المصاحف التي جمعوها قبل ذلك فلما امتثلوا بأمره حرق المصاحف الأول، وقال أبو عبد الله الأبي من علمائهم: إنما حرقها لأنها كانت على غير ترتيب المصحف الذي اتفقوا على ترتيبه أو لأن بعض ما فيها لم يكن من القرآن أو لأنه القرآن ثم نسخ ولم يعلم بعضهم نسخه فقرأه على ما أنزل وحمل عليه قراءة ابن مسعود (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) وأمثال ذلك كثير فهي إما أن يكون من القرآن أو لم يكن وعلى التقديرين لزم التحريف وإدخال الصحابة ما ليس بقرآن من القرآن مستبعد جدا وثبوت النسخ في أمثال ذلك إما أن يكون باعتقاد بعضهم أو بإجماعهم أو بالنقل والأول ليس بحجة والثاني ليس بمتحقق قطعا لأن إنكار بعضهم لفعله وضربه لابن مسعود مشهور، والثالث يستبعد وقوعه مع غفلة مشاهير الصحابة عنه وعلى تقدير تحققه فلا يجري في الجميع لأنه لم يدع أحد نقل النسخ في جواز القراءة بسبع لغات وليس في المصحف المشهور بين الناس إلا بعض اللغات دون جميعها فليتأمل.
* الأصل:
17 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبي (عليه السلام): (ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر).
* الشرح:
قوله: (ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر) يحتمل وجهين: الأول أن يراد بالضرب المعنى المعروف فإن كان من باب الاستخفاف فهو كفر جحود وإلا فهو كفر النعمة وترك الأدب.
الثاني أن يستعمل الرأي في المجمل والمؤول والمطلق والعام والمجاز والمتشابه وغيرها من المعضلات ويجمع بينها بإعتبارات خيالية وإختراعات وهمية ويستنبط منها أحكاما يعمل بها ويفتي بها من غير أن يكون له مستند صحيح ونقل صريح عن أهل الذكر عليهم السلام، وقد نقل عن الصدوق أنه قال في كتاب معاني الأخبار «سألت محمد بن الحسن عن معنى هذا الحديث فقال: هو أن يجيب الرجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى».