لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل وبلاء (1)، أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر (2) وما كل ذي قلب بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد الله!
أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه (3)، ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه (4)، كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزرع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والأمر والنهي ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون ولله عاقبة الأمور.
فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون (5) أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا وكل امرئ منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ، لا ينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل، انس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي الأمي (صلى الله عليه وآله) ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض أهل حسرات وكهوف شبهات (6) وأهل عشوات وضلالة وريبة، من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله، غير المتهم عند من لا يعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها ووا أسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا، المتشتة غدا عن الأصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ [منه] بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله - وله الحمد - سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع