أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا، فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب، ولئن رتعا في الحطام المنصرم (1) والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود، في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة (2)، مالهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة، إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك و ينصبون لها العتائر ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ويستقسمون بالأزلام (3) عامهين عن الله عز ذكره حائرين عن الرشاد، مهطعين إلى البعاد (4)، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة (5) فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة واسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه، فتبوؤوا العز بعد الذلة والكثرة بعد القلة وهابتهم القلوب والابصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد كوف (6) وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان وأولجناهم (7) باب الهدى وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الايمان وفلجوا بنا في العالمين وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصل
(٢٨)