فلما انتهينا إلى الكناسة (1) قال: ههنا صلب عمي زيد رحمه الله ثم مضى حتى انتهى إلى طاق الزياتين وهو آخر السراجين فنزل وقال: أنزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم (عليه السلام) وأنا أكره أن أدخله راكبا قال: قلت: فمن غيره عن خطته؟ قال: أما أول ذلك الطوفان في زمن نوح (عليه السلام) ثم غيره أصحاب كسرى ونعمان (2) ثم غيره بعد زياد بن أبي سفيان، فقلت: وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح (عليه السلام) فقال لي: نعم يا مفضل وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات مما يلي غربي الكوفة قال: وكان نوح (عليه السلام) رجلا نجارا فجعله الله عز وجل نبيا و انتجبه ونوح (عليه السلام) أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء، قال: ولبث نوح (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل فيهزؤون به ويسخرون منه، فلما رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا (3) " فأوحى الله عز وجل إلى نوح أن اصنع سفينة وأوسعها وعجل عملها فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده فاتى بالخشب من بعد حتى فرغ منها.
قال: المفضل ثم انقطع حديث أبي عبد الله (عليه السلام) عند زوال الشمس، فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فصلى الظهر والعصر، ثم انصرف من المسجد فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الداريين (4) وهو موضع دار ابن حكيم وذاك فرات اليوم، فقل لي:
يا مفضل [و] ههنا نصبت أصنام قوم نوح (عليه السلام) " يغوث ويعوق ونسرا " ثم مضى حتى ركب دابته.
فقلت: جعلت فداك في كم عمل نوح سفينته حتى فرغ منها؟ قال: في دورين، قلت: وكم الدورين؟ قال: ثمانين سنة.