نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ٢١٢
الغافلين (1). ويأمرون بالقسط ويأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه. فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه (2)، وحققت القيامة عليهم عداتها. فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس، ويسمعون ما لا يسمعون.
فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة (3)، ومجالسهم المشهودة وقد نشروا دواوين أعمالهم، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم عن كل صغيرة وكبيرة أمروا بها فقصروا عنها، أو نهوا عنها ففرطوا فيها، وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم (4) فضعفوا عن الاستقلال بها فنشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا. يعجون إلى ربهم من مقاوم ندم واعتراف لرأيت
____________________
(1) هتف به - كضرب - صاح ودعا. وهتفت الحمامة صاتت (2) في طول الإقامة حال من أهل البرزخ. والعدات: جمع عدة - بكسر ففتح مخفف - أي كأنما القيامة كشفت لهم عن الوعود التي وعد بها الأخيار والأشرار (3) مقاوم: جمع مقام، مقاماتهم في خطاب الوعظ. والدواوين: جمع ديوان - وهو مجتمع الصحف. والدفتر ما يكتب فيه أسماء الجيش وأهل الأعطيات (4) أي نسبوا ما صدر عنهم إلى تقصير هممهم عن أداء الواجب عليهم ولم يحولوه على ربهم فجعلوا الأوزار حملا على ظهورهم فأحسوا بالضعف عن الاستقلال بها أي القيام بحملها. ونشج الباكي ينشج - كضرب يضرب - نشيجا غص بالبكاء في حلقه. والنحيب أشد البكاء. وتجاوبوا به أجاب بعضهم بعضا يتناحبون. وعج يعج - كضرب ومل - صاح ورفع صوته فهم يصيحون من مواقف الندم والاعتراف بالخطأ
(٢١٢)
مفاتيح البحث: النهي عن المنكر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست