ولم يهتك عنك ستره، بل لم تخل من لطفه مطرف عين، في نعمة يحدثها لك (1)، أو سيئة يسترها عليك، أو بلية يصرفها عنك. فما ظنك به لو أطعته؟ وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة، متوازيين في القدرة لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوي الأعمال. وحقا أقول ما الدنيا غرتك (2) ولكن بها اغتررت. ولقد كاشفتك العظات وآذنتك على سواء. ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوتك أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك. ولرب ناصح لها عندك متهم (3)، وصادق من خبرها مكذب. ولئن تعرفتها في الديار الخاوية (4) والربوع الخالية لتجدنها من حسن تذكيرك وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك والشحيح بك (5). ولنعم دار من لم يرض بها دارا، ومحل من لم يوطنها محلا (6). وإن السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم
____________________
(1) طرف عينه - كضرب - أطبق جفنيها والمراد من المطرف اللحظة يتحرك فيها الجفن في نعمة يتعلق بلطفه (2) إن الدنيا ما خبأت عن بصرك شيئا من تقلباتها المفزعة ولكن غفلت عما ترى ولقد كاشفتك وأظهرت لك العظات أي المواعظ، وآذنتك أعلمتك على عدل (3) رب حادث من حوادثها يلقي إليك النصيحة بالعبرة فتتهمه وهو مخلص (4) تعرفتها طلبت معرفتها وعاقبة الركون إليها (5) البخيل بك على الشقاء والهلكة (6) وطنه - بالتشديد - اتخذه وطنا