في امتناع، ولا سبيلا إلى دفاع. حتى إذا رأى الله جد
الصبر منهم على الأذى في محبته، والاحتمال للمكروه من خوفه جعل لهم من مضايق البلاء فرجا، فأبدلهم
العز مكان الذل، والأمن مكان الخوف فصاروا ملوكا حكاما. وأئمة أعلاما، وبلغت الكرامة من الله لهم ما لم تبلغ الآمال إليه بهم فانظروا كيف كانوا حيث كانت الاملاء مجتمعة (1)، والأهواء متفقة، والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة. ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين (2)، وملوكا على رقاب العالمين. فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتتت الألفة واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحازبين قد خلع الله عنهم
لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته (3). وبقي قصص أخبارهم فيكم عبرا للمعتبرين فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل
____________________
أي جرعوهم عصارته (1) الاملاء - جمع ملأ - بمعنى الجماعة والقوم. والأيدي المترادفة المتعاونة (2) أربابا: سادات (3) غضارة النعمة: سعتها. وقصص الأخبار: حكايتها