المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب، ومحجوبات الغيوب: " إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس " اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله. فعدو الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية. وادرع
لباس التعزز، وخلع قناع التذلل ألا ترون كيف صغره الله بتكبره، ووضعه بترفعه. فجعله في الدنيا مدحورا، وأعد له في الآخرة سعيرا ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رواؤه (1)، وطيب يأخذ الأنفاس
عرفه لفعل. ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة. ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ونفيا للاستكبار عنهم، وإبعادا للخيلاء منهم فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويل
____________________
والتصرف فيه (1) الرواء - بضم ففتح - حسن المنظر. والعرف - بالفتح - الرائحة