المحامد وافر، تولى نقابة نقباء الطالبيين بعد أبيه في حياته سنة ثمانية وثمانين وثلاثمائة، ضمت إليه مع النقابة سائر الأعمال التي كان يليها أبوه، وهي النظر في المظالم، والحج بالناس. وكان من سمو المقام بحيث يكتب إلى الخليفة القادر بالله العباسي أحمد بن المقتدر من قصيدة طويلة: نفتخر بها ويساوي نفسه بالخليفة:
عطفا أمير المؤمنين فإننا * في دوحة العلياء لا نتفرق ما بيننا يوم الفخار تفاوت * أبدا، كلانا في المعالي معرق إلا الخلافة ميزتك فإنني * أنا عاطل منها وأنت مطوق ويروى أن القادر قال له عند سماع هذا البيت: على رغم أنفك الشريف ومن غرر شعره فيما يقرب من هذا قوله:
رمت المعالي فامتنعن ولم يزل * أبدا ينازع عاشقا معشوق وصبرت حتى نلتهن ولم أقل * ضجرا: دواء الفارك (1) التطليق وابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل. قال صاحب اليتيمة، وهو أشعر الطالبيين: من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق. وقال بعض واصفيه رحمه الله: كان شاعرا مفلقا فصيح النظم ضخم الألفاظ قادرا على القريض متصرفا في فنونه، إن قصد الرقة في النسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشق له فيه غبار، وإن قصد المراثي جاء سابقا والشعراء منقطعة الأنفاس. وكان مع هذا مترسلا كاتبا بليغا متين العبارات سامي المعاني. وقد اعتنى بجمع شعره في ديوان جماعة، وأجود ما جمع منه مجموع أبي حكيم الحيري، وهو ديوان كبير يدخل في أربع مجلدات كما ذكره صاحب اليتيمة. وصنف كتابا في معاني القرآن العظيم قالوا يتعذر وجود مثله، وهو يدل على سعة اطلاعه في النحو واللغة وأصول الدين. وله كتاب في مجازات القرآن. وكان علي الهمة تسمو به عزيمته إلى أمور عظام لم يجد من الأيام عليها معينا فوقفت به دونها حتى قضى. وكان عفيفا متشددا في العفة بالغا فيها إلى النهاية لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة حتى أنه رد صلات أبيه! وقد اجتهد بنو بويه على قبوله صلاتهم فلم يقبل. وكان يرضى بالإكرام وصيانة الجانب وإعزاز