التمثل في الافتخار به عليه السلام بقول الفرزدق - أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع ورأيت كلامه عليه السلام يدور على أقطاب ثلاثة: أولها الخطب والأوامر. وثانيها الكتب والرسائل وثالثها الحكم والمواعظ. فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب (1) ثم محاسن الكتب ثم محاسن الحكم والأدب، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ومفصلا فيه أوراقا لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلا ويقع إلي آجلا. وإذا جاء شئ من كلامه عليه السلام الخارج في أثناء حوار (2) أو جواب سؤال أو غرض آخر من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها وقررت القاعدة عليها نسبته إلى أليق الأبواب به وأشدها ملامحة لغرضه (3). وربما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متسقة، ومحاسن كلم غير منتظمة، لأني أورد النكت واللمع ولا أقصد التتالي والنسق. ومن عجائبه عليه السلام التي إنفرد بها وأمن المشاركة فيها أن كلامه عليه السلام الوارد في الزهد والموعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفكر وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حفظ له في الزهادة ولا شغل له بغير العبادة، وقد قبع في كسر بيت (4) أو انقطع في سفح جبل. لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من يتغمس في الحرب مصلتا سيفه (5) فيقطع الرقاب ويجدل الأبطال (6) ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال (7). وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه
(١٢)