يهدم داره، أو يحرق ثوبه، فهل له أن يقتص منه فيفعل به مثل ما فعل؟
للعلماء في ذلك رأيان:
1 - رأي يرى أن القصاص في ذلك غير مشروع، لأنه إفساد من جهة، ولان العقار والثياب غير متماثلة من جهة أخرى.
2 - ورأي يرى شرعية ذلك، لان القصاص في الأنفس والأطراف جائز، ولا شك أن الأنفس والأطراف أعظم قدرا من الأموال. وإذا كان القصاص جائزا فيها، فالأموال - وهي دونها - من باب أولى.
ولهذا جاز لنا أن نفسد أموال أهل الحرب إذا أفسدوا أموالنا، كقطع الشجر المثمر. وإن قيل بالمنع من ذلك لغير حاجة. ورجح ابن ألقم هذا الرأي، فقال:
" إتلاف المال، فإن كان مما له حرمة، كالحيوان والعبيد، فليس له أن يتلف ماله كما أتلف ماله، وإن لم تكن له حرمة، كالثوب يشقه، والاناء يكسره، فالمشهور أنه ليس له أن يتلف عليه نظير ما أتلفه بل له القيمة أو المثل.
والقياس يقتضي أن له أن يفعل بنظير ما أتلفه عليه، كما فعله الجاني به، فيشق ثوبه كما شق ثوبه، ويكسر عصاه كما كسر عصاه، إذا كانا متساويين، وهذا من العدل، وليس مع من منعه نص، ولا قياس، ولا إجماع، فإن هذا ليس بحرام لحق الله، وليست حرمة المال أعظم من حرمة النفوس والأطراف، فإذا مكنه الشارع أن يتلف طرفه بطرفه فتمكينه من إتلاف ماله في مقابلة ماله هو أولى وأحرى.
وإن حكمة القصاص من التشفي، ودرك الغيظ، لا تحصل إلا بذلك.
ولأنه قد يكون له غرض في أذاه وإتلاف ثيابه، ويعطيه قيمتها، ولا يشق ذلك عليه، لكثرة ماله، فيشفي نفسه منه بذلك، ويبقى المجني عليه بغبنه وغيظه، فكيف يقع إعطاؤه القيمة من شفاء غيظه، ودرك ثأره، وبرد قلبه، وإذاقة الجاني من الأذى ما ذاقه هو.
فحكمة هذه الشريعة الكاملة الباهرة، وقياسها معا يأبى ذلك.
وقوله تعالى: " فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ".