وهو ظاهر قول الإمام أحمد، فقال أبو داود في (المسائل) (ص 158):
(سمعت أحمد قال: لا يزاد على القبر من تراب غيره، إلا أن يسوى بالأرض فلا يعرف. فكأنه رخص إذ ذاك).
لكن ذكر في (الانصاف) (2 / 548) عنه الكراهة فقط!
وقال الإمام محمد في (الآثار) (ص 45):
(أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: كان يقال: ارفعوا القبر حتى يعرف أنه قبر فلا يوطأ. قال محمد: وبه نأخذ، ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه، ونكره أن يجصص، أو يطين، أو يجعل عنده مسجدا أو علما، أو يكتب عليه، ويكره الاجر أن يبنى به، أو يدخله القبر، ولا نرى برش الماء عليه بأسا، وهو قول أبي حنيفة).
قلت: ويدل الحديث بمفهومه على جواز رفع القبر، بقدر ما يساعد عليه التراب الخارج منه، وذلك يكون نحو شبر، فهو موافق للنص المتقدم في المسألة (107) وأما التجصيص فهو من (الجص) وهو الكلس. والمراد الطلي به قال في (القاموس):
(وجصص الاناء ملأه، والبناء طلاه بالجص).
ولعل النهي عن التجصيص من أجل أنه نوع زينة كما قال بعض المتقدمين. وعليه فما حكم تطيين القبر؟ للعلماء فيه قولان:
الأول: الكراهة، نص عليه الإمام محمد فيما نقلته آنفا عنه، والكراهة عنده للتحريم إذا أطلقت. وبالكراهة قال أبو حفص من الحنابلة كما في (الانصاف) (2 / 549) والاخر: أنه لا بأس به. حكاه أبو داود (158) عن الإمام أحمد. وجزم به في (الانصاف). وحكاه الترمذي (2 / 155) عن الإمام الشافعي، قال النووي عقبه:
(ولم يتعرض جمهور الأصحاب له، فالصحيح أنه لا كراهة فيه كما نص عليه، ولم يرد فيه نهي).
قلت: ولعل الصواب التفصيل على نحو ما يأتي: إن كان المقصود من التطين المحافظة على القبر وبقائه مرفوعا قدر ما سمح به الشرع، وأن لا تنسفه الرياح ولا تبعثره الأمطار، فهو جائز بدون شك لأنه يحقق غاية مشروعة. ولعل هذا هو وجه من قال من الحنابلة