وكان أبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي الواعظ (1)، أخو أبى حامد محمد بن محمد الغزالي الفقيه الشافعي، قاصا لطيفا وواعظا مفوها، وهو من خراسان من مدينة طوس، وقدم إلى بغداد، ووعظ بها، وسلك في وعظه مسلكا منكرا، لأنه كان يتعصب لإبليس، ويقول: إنه سيد الموحدين، وقال يوما على المنبر: من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق، أمر أن يسجد لغير سيده فأبى ولست بضارع إلا إليكم * وأما غيركم حاشا وكلا وقال مرة أخرى لما قال له موسى: " أرني " فقال: " لن (2) " قال: هذا شغلك (3)، تصطفى آدم ثم تسود وجهه، وتخرجه من الجنة، وتدعوني إلى الطور، ثم تشمت بي الأعداء!
هذا عملك بالأحباب (4)، فكيف تصنع بالأعداء (5)!
وقال مرة أخرى وقد ذكر إبليس على المنبر: لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكت أدمت، وأن قسى القدر إذا رمت أصمت. ثم قال: لسان حال آدم ينشد في قصته وقصة إبليس:
وكنت وليلى في صعود من الهوى * فلما توافينا ثبت وزلت وقال مرة أخرى: التقى موسى وإبليس عند عقبة الطور، فقال موسى: يا إبليس، لم لم تسجد لآدم عليه السلام؟ فقال: كلا، ما كنت لأسجد لبشر، كيف أوحده ثم ألتفت إلى غيره! ولكنك أنت يا موسى سألت رؤيته ثم نظرت إلى الجبل، فأنا أصدق منك في التوحيد.