عليهم السلام، ولو لم يدل على ذلك ألا قوله تعالى في هذه القصة: ﴿إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين﴾ (١) لكفى.
وقد احتج أصحابنا أيضا بقوله تعالى: ﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون﴾ (٢)، وهذا كما تقول: لا يستنكف الوزير أن يعظمني ويرفع من منزلتي، ولا الملك أيضا. فإن هذا يقتضى كون الملك أرفع منزلة من الوزير. وكذلك قوله: (ولا الملائكة المقربون)، يقتضى كونهم أرفع منزلة من عيسى.
ومما احتجوا به قولهم: إنه تعالى لما ذكر جبريل ومحمدا عليهما السلام، في معرض المدح، مدح جبريل عليه السلام بأعظم مما مدح به محمدا عليه السلام، فقال: (إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين.
وما صاحبكم بمجنون. ولقد رآه بالأفق المبين. وما هو على الغيب بضنين) (٣).
فالمديح الأول لجبريل، والثاني لمحمد عليهما السلام، ولا يخفى تفاوت ما بين المدحين.
فإن قيل: فهل كان إبليس من الملائكة أم من نوع آخر؟ قيل: قد اختلف في ذلك فمن قال: إنه من الملائكة احتج بالاستثناء في قوله: (فسجد الملائكة) كلهم أجمعون. إلا إبليس ((٤)، وقال: إن الاستثناء من غير الجنس خلاف الأصل. ومن قال: إنه لم يكن منهم احتج بقوله تعالى: ﴿إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾ (4).
وأجاب الأولون عن هذا فقالوا: إن الملائكة يطلق عليهم لفظ الجن لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين. وقالوا: قد ورد ذلك في القرآن أيضا في قوله تعالى: (وجعلوا بينه