موسرا وقت الوجوب ثم أعسر جاز له الصوم عندنا وعنده لا يجوز ولو كان على القلب لا يجوز عندنا وعنده يجوز (وجه) قوله إن الكفارة وجبت عقوبة فيعتبر فيها وقت الوجوب كالحد فان العبد إذا زنا ثم أعتق يقام عليه حد العبيد (والدليل) على أنها وجبت عقوبة ان سبب وجوبها الجناية من الظهار والقتل والافطار والحنث وتعليق الوجوب بالجناية تعليق الحكم بوصف مناسب مؤثر فيحال عليه وربما قالوا هذا ضمان يختلف باليسار والاعسار فيعتبر فيه حال الوجوب كضمان الاعتاق (ولنا) ان الكفارة عبادة لها بدل ومبدل فيعتبر فيها وقت الأداء لا وقت الوجوب كالصلاة بان فاتته صلاة في الصحة فقضاها في المرض قاعدا أو بالايماء انه يجوز (والدليل) على أنها عبادة وان لها بدلا ان الصوم بدل عن التكفير بالمال والصوم عبادة وبدل العبادة عبادة وكذا يشترط فيها النية وانها لا تشترط الا في العبادات وإذا ثبت انها عبادة لها بدل ومبدل فهذا يوجب أن يكون المعتبر فيها وقت الأداء لا وقت الوجوب لأنه إذا أيسر قبل الشروع في الصيام أو قبل تمامه فقد قدر على المبدل قبل حصول المقصود بالبدل فيبطل البدل وينتقل الامر إلى المبدل كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الشروع في الصلاة أو بعده قبل الفراغ منها عندنا وكالصغيرة إذا اعتدت بشهر ثم حاضت انه يبطل الاعتداد بالأشهر وينتقل الحكم إلى الحيض وذا أعسر قبل التكفير بالمال فقد عجز عن المبدل قبل حصول المقصود به وقدر على تحصيله بالبدل كواجد الماء إذا لم يتوضأ حتى مضى الوقت ثم عدم الماء ووجد ترابا نظيفا انه يجوز له أن يتيمم ويصلى بل يجب عليه ذلك كذا ههنا بخلاف الحدود لان الحد ليس بعبادة مقصودة بل هو عقوبة ولهذا لا يفتقر إلى النية وكذا لا بدل له لان حد العبيد ليس بدلا عن حد الأحرار بل هو أصل بنفسه ألا ترى أنه يحد العبيد مع القدرة على حد الأحرار ولا يجوز المصير إلى البدل مع القدرة على المبدل كالتراب مع الماء وغير ذلك بخلاف الصلاة إذا وجبت على الانسان وهو مقيم ثم سافر أو مسافر ثم أقام انه يعتبر في قضائها وقت الوجوب لان صلاة المسافر ليست بدلا عن صلاة المقيم ولا صلاة المقيم بدل عن صلاة المسافر بل صلاة كل واحد منهما أصل بنفسها ألا ترى انه يصلى إحداهما مع القدرة على الأخرى وبخلاف ضمان الاعتاق لأنه ليس بعبادة وكذا السعاية ليست ببدل عن الضمان على أصل أبي حنيفة رحمه الله لان الشريك مخير عندهم بين التضمين والاستسعاء ولا يخير بين البدل والمبدل في الشريعة (وأما) قوله إن سبب وجوب الكفارة الجناية فممنوع بل سبب وجوبها ما هو سبب وجوب التوبة إذ هي أحد نوعي التوبة وإنما الجناية شرط كما في التوبة هذا قول المحققين من مشايخنا وعلى هذا يخرج ما إذا وجب عليه التحرير أو أحد الأشياء الثلاثة بأن كان موسرا ثم أعسر انه يجزئه الصوم ولو كان معسرا ثم أيسر لم يجزه الصوم عندنا وعند الشافعي لا يجزئه في الأول ويجزئه في الثاني لأن الاعتبار لوقت الأداء عندنا لا لوقت الوجوب وهو في الأول يعتبر وقت الأداء فوجد شرط جواز الصوم ووجوبه هو عدم الرقبة فجاز بل وجب وفى الثاني لم يوجد الشرط فلم يجز وعنده لما كان المعتبر وقت الوجوب فيراعى وجود الشرط للجواز وعدمه وقت الوجوب ولم يوجد في الأول ووجد في الثاني ولو شرع في الصوم ثم أيسر قبل تمامه لم يجز صومه ذكر هذا في الأصل بلغنا ذلك عن عبد الله بن عباس وإبراهيم لما ذكرنا انه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فلا يعتبر البدل والأفضل ان يتم صوم ذلك اليوم فلو أفطر لا يلزمه القضاء عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وعند زفر رحمه الله يقضى وأصل هذه المسألة في كتاب الصوم وهو من شرع في صوم على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فالأفضل له أن يتم الصوم ولو أفطر فهو على الاختلاف الذي ذكرنا وعلى قياس قول الشافعي رحمه الله يمضى على صومه لان العبرة في باب الكفارات لوقت الوجوب عنده ووقت الوجوب كان معسرا ولو أيسر بعد الاتمام جاز صومه لأنه قدر على المبدل بعد حصول المقصود بالبدل فلا يبطل البدل بخلاف الشيخ الفاني إذا فدى ثم قدر على الصوم انه تبطل الفدية ويلزمه الصوم لان الشيخ الفاني هو الذي لا ترجى له القدرة على الصوم فإذا قدر تبين انه لم يكن شيخا فانيا ولان الفدية ليست ببدل مطلق لأنها ليست بمثل للصوم صورة ومعنى فكانت بدلا ضروريا وقد ارتفعت الضرورة فبطلت القدرة
(٩٨)