وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه وقال عليه الصلاة والسلام من نذر وسمى فعليه وفاؤه بما سمى الا أنه خص منه المسمى الذي ليس بقربة أصلا والذي ليس بقربة مقصودة فيجب العمل بعمومه فيما وراءه ومن مشايخنا من أصل في هذا أصلا فقال ما له أصل في الفروض يصح النذر به ولا شك أن ما سوى الاعتكاف من الصلاة والصوم وغيرهما له أصل في الفروض والاعتكاف له أصل أيضا في الفروض وهو الوقوف بعرفة وما لا أصل له في الفروض لا يصح النذر به كعيادة المرضى وتشييع الجنازة ودخول المسجد ونحوها وعلل بأن النذر ايجاب العبد فيعتبر بايجاب الله تعالى ولو قال لله على أن أصوم يوم النحر أو أيام التشريق يصح نذره عند أصحابنا الثلاثة ويفطر ويقضى وقال زفر رحمه الله والشافعي لا يصح نذره لهما أنه نذر بما هو معصية لكون الصوم في أيام التشريق منهيا عنه لقوله عليه الصلاة والسلام ألا لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب والمنهى عنه يكون معصية والنذر بالمعاصي لا يصح لما بينا والدليل عليه أن الصوم في هذه الأيام لا يلزم بالشروع ولا يضمن بالقضاء عند الافساد بأن أصبح صائما ثم أفطر (ولنا) أنه نذر بقربة مقصودة فيصح النذر كما لو نذر بالصوم في غير هذه الأيام ودلالة الوصف النص والمعقول (أما) النص فقوله عليه الصلاة والسلام خبرا عن الله تعالى جل شأنه الصوم لي وأنا أجزى به من غير فصل (وأما) المعقول فهو أنه سبب التقوى والشكر ومواساة الفقراء لان الصائم في زمان الصوم يتقى الحلال فالحرام أولى ويعرف قدر نعم الله تعالى جل شأنه عليه بما تجثم من مرارة الجوع والعطش فيحمله ذلك على الشكر وعلى الاحسان إلى الفقراء لما عرف قدر مقاساة المبتلى بالجوع والفقر وهذه المعاني موجودة في الصوم في هذه الأيام وأنها معان مستحسنة عقلا والنهى لا يرد عما عرف حسنه عقلا لما فيه من التناقض فيحمل على غير مجاور له صيانة لحجج الله تعالى عن التناقض عملا بالدلائل بقدر الامكان (وأما) فصل الشروع والقضاء فممنوع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبي حنيفة عليه الرحمة إنما يلزم بالشروع ولا يجب القضاء بالافطار لان لزوم الاتمام في صوم التطوع لضرورة صيانة المؤادى عن الابطال لان ابطال العمل حرام وههنا صاحب الحق وهو الله تعالى جلت عظمته رضى بابطال حقه فلا يحرم الابطال فلا يلزم الاتمام ووجوب القضاء ضرورة لزوم الاتمام فإذا لم يلزم لا يجب ولو قال على المشي إلى بيت الله تعالى أو إلى الكعبة أو إلى مكة أو إلى بكة فعليه حجة أو عمرة ماشيا وان شاء ركب وعليه ذبح شاة لركوبه وجملة الكلام فيه أن المكان نوعان مكان يصح الدخول فيه بغير احرام وهو ما سوى الحرم كمسجد المدينة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ومسجد بيت المقدس وغيرهما من سائر المساجد والأماكن ومكان لا يصح الدخول فيه بغير احرام وهو الحرم والحرم مشتمل على مكة ومكة على المسجد الحرام والمسجد الحرام على الكعبة فالناذر إما أن يسمى في النذر الكعبة أو بيت الله أو مكة أو بكة أو الحرم أو المسجد الحرام والافعال التي يوجبها على نفسه شبه ألفاظ المشي والخروج والسفر والركوب والذهاب والاياب فان أوجب على نفسه شيئا من هذه الأفعال وأضافه إلى مكان يصح دخوله فيه بغير احرام لا يصح ايجابه لأنه أوجب على نفسه التحول من مكان إلى مكان وذا ليس بقربة مقصودة ولا يصح النذر بما ليس بقربة والدليل عليه ما روى أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى نذرت أن فتح لك مكة أن أصلى مائتي ركعة في مائة مسجد فقال عليه الصلاة والسلام صلى في مسجد واحد فلم يصحح عليه الصلاة والسلام نذرها بالصلاة في كل مسجد والنذر بخلاف اليمين فان اليمين تنعقد بهذه الألفاظ بأن يقول والله لأذهبن إلى موضع كذا أو لأسافرن أو غيرهما من الألفاظ لان اليمين لا يقف انعقادها على كون المحلوف عليه قربة بل ينعقد على القربة وغيرها بخلاف النذر وأن أضاف ايجاب شئ من هذه الأفعال إلى المكان الذي لا يصح الدخول فيه بغير احرام ينظر فان أضاف ايجاب ما سوى المشي إليه لا يصح ولا يلزمه شئ لما ذكرنا أن التحول من مكان إلى مكان ليس بقربة في نفسه وأن أضاف ايجاب المشي إليه فان ذكر سوى ما ذكرنا من الأمكنة من الكعبة وبيت الله تعالى ومكة وبكة
(٨٣)