والمسجد الحرام والحرم بأن أوجب على نفسه المشي إلى الصفا والمروة ومسجد الخيف وغيرها من المساجد التي في الحرم لا يصح نذره بلا خلاف وان ذكر الكعبة وبيت الله عز شأنه أو مكة أو بكة يصح نذره ويلزمه حجة أو عمرة ماشيا وان شاء ركب وذبح لركوبه شاة وهذا استحسان والقياس أن لا يصح ولا يلزمه شئ (وجه) القياس ان من شرط صحة النذر أن يكون المنذور به قربة مقصودة ولا قربة في نفس المشي وإنما القربة في الاحرام وانه ليس بمذكور ولهذا لم يصح بسائر الألفاظ سوى لفظ المشي (وجه) الاستحسان ان هذا الكلام عندهم كناية عن التزام الاحرام يستعملونه لالتزام الاحرام بطريق الكناية من غير أن يعقل فيه وجه الكناية بمنزلة قوله لله على أن أضرب بثوبي حطيم الكعبة كناية عن التزام الصدقة باصطلاحهم والاحرام يكون بالحجة أو بالعمرة فيلزمه أحدهما بخلاف سائر الألفاظ فإنها ما جرت عادتهم بالتزام الاحرام بها والمعتبر في الباب عرفهم وعادتهم ولا عرف هناك فيلزمه ذلك ماشيا لأنه التزم المشي وفيه زيادة قربة قال النبي عليه الصلاة والسلام من حج ماشيا فله بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال عليه الصلاة والسلام واحدة بسبعمائة فجاز التزامه بالنذر كصفة التتابع في الصوم فيمشي حتى يطوف طواف الزيارة لان بذلك يقع الفراغ من أركان الحج الا أن له أن يركب ويذبح لركوبه شاة لما روى أن أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما نذرت ان تحج ماشية فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي سعيد الخدري ان الله تعالى غنى غن تعذيب أختك مرها فلتركب ولترق دما وما روى في بعض الروايات أن عقبة بن عامر الجهني سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أختي نذرت أن تحج البيت ماشية غير مختمرة فقال عليه الصلاة والسلام ان الله غنى عن تعذيب أختك فلتركب ولتهد شاة وفى بعضها ان أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشى إلى بيت الله تعالى حافية حاسرة فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى غنى عن عناء أختك مرها فلتركب ولتهد شاة وتحرم ان شاءت بحجة وان شاءت بعمرة وروى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال من جعل على نفسه الحج ماشيا حج وركب وذبح لركوبه شاة رواه في الأصل وإنما استوى فيه لفظ الكعبة وبيت الله ومكة وبكة لا ن كل واحد من هذه الألفاظ يستعمل عند استعمال الآخر يقال فلان مشى إلى بيت الله والى الكعبة والى مكة والى بكة ولا يقال مشى إلى الصفا والمروة وان ذكر المسجد الحرام أو الحرم قال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح نذره ولا يلزمه شئ وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يلزمه حجة أو عمرة (وجه) قولهما أن الحرم مشتمل على البيت وعلى مكة فصار كأنه قال على المشي إلى بيت الله والى مكة ولأبي حنيفة رحمه الله أن القياس أن لا يجب شئ بايجاب المشي المضاف إلى مكان ما لما ذكرنا أن المشي ليس بقربة مقصودة إذ هو انتقال من مكان إلى مكان فليس في نفسه قربة ولهذا لا يجب بسائر الألفاظ الا أنا أوجبنا عليه الاحرام في لفظ المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة أو إلى مكة أو إلى بكة للعرف حيث تعارفوا استعمال ذلك كناية عن التزام الاحرام ولم يتعارفوا استعمال غيرها من الألفاظ الا ترى أنه يقال مشى إلى مكة والكعبة وبيت الله ولا يقال مشى إلى الحرم أو المسجد الحرام كما يقال مشى إلى الصفا والمروة والكناية يتبع فيها عين اللفظ لا المعنى بخلاف المجاز فإنه يراعى فيه المعنى اللازم المشهور في محل الحقيقة لان الكناية ثابتة بالاصطلاح كالأسماء الموضوعة فيتبع فيها العرف واستعمال اللفظ بخلاف المجاز ولو قال على المشي إلى بيت الله وهو ينوى مسجدا من مساجد الله سوى المسجد الحرام لم يلزمه شئ لأنه نوى ما يحتمله لفظه لان كل مسجد بيت الله تعالى فصحت نيته على أن الظاهر إن كانت إرادة الكعبة من هذا الكلام لا غير لكن هذا أمر بينه وبين الله تعالى فيكتفى فيه باحتمال اللفظ إياه في الجملة ولو قال أنا أحرم أو أنا محرم أو أهدى أو أمشى إلى البيت فان نوى به الايجاب يكون ايجابا لأنه يذكر ويراد به الايجاب كقولنا أشهد أن لا إله إلا الله أنه يكون توحيدا وكقول الشاهد عند القاضي أشهد أنه يكون شهادة فقد نوى ما يحتمله لفظه وان نوى أن يعد من نفسه عدة ولا يوجب شيئا كان عدة ولا شئ عليه لان اللفظ يحتمل العدة لأنه يستعمل في العدات وان لم يكن له نية
(٨٤)