النذر يستوى فيه الفقير والغنى وإن كان الواجب يتعلق بالمال كالنذر بالحج أنه يصح من الغنى والفقير جميعا وأما الذي يجب على الفقير دون الغنى فالمشترى للأضحية إذا كان المشترى فقيرا بان اشترى فقير شاة ينوى أن يضحى بها وقال الشافعي رحمه الله لا تجب وهو قول الزعفراني من أصحابنا وإن كان غنيا لا يجب عليه بالشراء شئ بالاتفاق (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان الايجاب من العبد يستدعى لفظا يدل على الوجوب والشراء بنية الأضحية لا يدل على الوجوب فلا يكون ايجابا ولهذا لم يكن ايجابا من الغنى (ولنا) ان الشراء للأضحية ممن لا أضحية عليه يجرى مجرى الايجاب وهو النذر بالتضحية عرفا لأنه إذا اشترى للأضحية مع فقره فالظاهر أنه يضحى فيصير كأنه قال جعلت هذه الشاة أضحية بخلاف الغنى لان الأضحية واجبة عليه بايجاب الشرع ابتداء فلا يكون شراؤه للأضحية ايجابا بل يكون قصد إلى تفريغ ما في ذمته ولو كان في ملك انسان شاة فنوى أن يضحى بها أو اشترى شاة ولو ينو الأضحية وقت الشراء ثم نوى بعد ذلك أن يضحى بها لا يجب عليه سواء كان غنيا أو فقيرا لأن النية لم تقارن الشراء فلا تعتبر (وأما) الذي يجب على الغنى دون الفقير فما يجب من غير نذر ولا شراء للأضحية بل شكرا لنعمة الحياة واحياء لميراث الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله تعالى عز اسمه بذبح الكبش في هذه الأيام فداء عن ولده ومطية على الصراط ومغفرة للذنوب وتكفيرا للخطايا على ما نطقت بذلك الأحاديث وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن بن زياد واحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهم الله وروى عن أبي يوسف رحمه الله انها لا تجب وبه أخذ الشافعي رحمه الله وحجة هذه الرواية ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث كتبت على ولم تكتب عليكم الوتر والضحى والأضحى وروى ثلاث كتبت على وهي لكم سنة وذكر عليه الصلاة والسلام الأضحية والسنة غير الواجب في العرف وروى أن سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين وروى عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال قد يروح على ألف شاة والا أضحى بواحدة مخافة أن يعتقد جارى انها واجبة ولأنها لو كانت واجبة لكان لا فرق فيها بين المقيم والمسافر لأنهما لا يفترقان في الحقوق المتعلقة بالمال كالزكاة وصدقة الفطر ثم لا تجب على المسافر فلا تجب على المقيم (ولنا) قوله عز وجل فصل لربك وانحر قيل في التفسير صل صلاة العيد وانحر البدن بعدها وقيل صل الصبح بجمع وانحر بمنى ومطلق الامر للوجوب في حق العمل ومتى وجب على النبي عليه الصلاة والسلام يجب على الأمة لأنه قدوة للأمة فان قيل قد قيل في بعض وجوه التأويل لقوله عز شأنه وانحر أي ضع يديك على نحرك في الصلاة وقيل استقبل القبلة بنحرك في الصلاة فالجواب ان الحمل على الأول أولى لأنه حمل اللفظ على فائدة جديدة والحمل على الثاني حمل على التكرار لان وضع اليد على النحر من أفعال الصلاة عندكم يتعلق به كمال الصلاة واستقبال القبلة من شرائط الصلاة لا وجود للصلاة شرعا بدونه فيدخل تحت الامر بالصلاة فكان الامر بالصلاة أمرا به فحمل قوله عز شأنه وانحر عليه يكون تكرارا والحمل على ما قلناه يكون حملا على فائدة جديدة فكان أولى وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر عليه الصلاة والسلام بالتضحية والامر المطلق عن القرينة يقتضى الوجوب في حق العمل وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال على أهل كل بيت في كل عام اضحاة وعتيرة وعلى كلمة ايجاب ثم نسخت العتيرة فثبتت الاضحاة وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من لم يضح فلا يقربن مصلانا وهذا خرج مخرج الوعيد على ترك الأضحية ولا وعيد الا بترك الواجب وقال عليه الصلاة والسلام من ذبح قبل الصلاة فليعد أضحيته ومن لم يذبح فليذبح بسم الله أمر عليه الصلاة والسلام بذبح الأضحية واعادتها إذا ذبحت قبل الصلاة وكل ذلك دليل الوجوب ولان إراقة الدم قربة والوجوب هو القرية في القربات (وأما) الحديث فنقول بموجبه ان الأضحية ليست بمكتوبة علينا ولكنها واجبة وفرق ما بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض على ما عرف في أصول الفقه وقول هي لكم سنة ان ثبت لا ينفى الوجوب إذ السنة تنبئ عن الطريقة أو السيرة وكل ذلك لا ينفى الوجوب (وأما) حديث سيدنا أبى
(٦٢)