الشك في ثبوت القدرة فلا تثبت بالشك على الأصل المعهود في غير الثابت بيقين إذا وقع الشك في ثبوته انه لا يثبت بخلاف بيع العين لان هناك القدرة على التسليم ثابتة عند العقد وفى فواتها بالهلاك شك فلا تفوت بالشك على الأصل المعهود في الثابت بيقين إذا وقع الشك في زواله أنه لا يزول بالشك وأما قوله إن العلم بمقدار المبيع في بيع المكايلة شرط الصحة فنقول العلم بذلك لا يشترط لعينه بل لصيانة العقد عن الجهالة المفضية إلى المنازعة وهذا النوع من الجهالة لا يفضى إلى المنازعة لامكان الوصول إلى العلم بقدر المبيع بالكيل للحال بخلاف بيع قفزان من الصبرة لان هناك لا طريق للوصول إلى العلم بمقدار المبيع فالمشترى يطلبه بزيادة والبائع لا يعطيه فيتنازعان فكانت الجهالة مفضية إلى المنازعة فهو الفرق بين الفصلين وقيل إنما يجوز هذا في بيع العين إذا كان الاناء من خزف أو خشب أو حديد أو نحو ذلك لأنه لا يحتمل الزيادة والنقصان وأما إذا كان مثل الزنبيل والجوالق والغرارة ونحو ذلك فلا يجوز لأنه يحتمل الزيادة والنقصان والله سبحانه وتعالى أعلم ولو كان المسلم فيه مكيلا فاعلم قدره بالوزن المعلوم أو كان موزونا فاعلم قدره بالكيل المعلوم جاز لان الشرط كونه معلوم القدر بمعيار يؤمن فقده وقد وجد بخلاف ما إذا باع المكيل بالمكيل وزنا بوزن متساويا في الوزن أو باع الموزون بالموزون كيلا بكيل متساويا في الكيل انه لا يجوز ما لم يتساويا في الكيل أو الوزن لان شرط جواز السلم كون المسلم فيه معلوم القدر والعلم بالقدر كما يحصل بالكيل يحصل بالوزن فأما شرط الكيل والوزن في الأشياء التي ورد الشرع فيها باعتبار الكيل والوزن في بيع العين ثبت نصا فكان بيعها بالكيل أو الوزن مجازفة فلا يجوز أما في باب السلم فاعتبار الكيل والوزن لمعرفة مقدار المسلم فيه وقد حصل والله عز وجل أعلم (ومنها) أن يكون مما يمكن أن يضبط قدره وصفته بالوصف على وجه لا يبقى بعد الوصف الا تفاوت يسير فإن كان مما لا يمكن ويبقى بعد الوصف تفاوت فاحش لا يجوز السلم فيه لأنه إذا لم يمكن ضبط قدره وصفته بالوصف يبقى مجهول القدر أو الوصف جهالة فاحشة مفضية إلى المنازعة وانها مفسدة للعقد وبيان ذلك أنه يجوز السلم في المكيلات والموزونات التي تحتمل التعيين والعدديات المتقاربة أما المكيلات والموزونات فلأنها ممكنة الضبط قدرا وصفة على وجه لا يبقى بعد الوصف بينه وبين جنسه ونوعه الا تفاوت يسير لأنها من ذوات الأمثال وكذلك العدديات المتقاربة من الجوز والبيض لان الجهالة فيها يسيرة لا تفضى إلى المنازعة وصغير الجوز والبيض وكبيرهما سواء لأنه لا يجرى التنازع في ذلك القدر من التفاوت بين الناس عادة فكان ملحقا بالعدم فيجوز السلم فيها عددا وكذلك كيلا وهذا عندنا وقال زفر لا يجوز (وجه) قوله إن الجوز والبيض مما يختلف ويتفاوت في الصغر والكبر حتى يشترى الكبير منها بأكثر مما يشترى الصغير فأشبه البطيخ والرمان (ولنا) ان التفاوت بين صغير الجوز وكبيره يسيرا عرض الناس عن اعتباره فكان ساقط العبرة ولهذا كان مضمونا بالمثل عند الاتلاف بخلاف الرمان والبطيخ فان التفاوت بين آحاده تفاوت فاحش ولهذا كان مضمونا بالقيمة (وأما) السلم في الفلوس عددا فجائز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز بناء على أن الفلوس أثمان عنده فلا يجوز السلم فيها كما لا يجوز السلم في الدراهم والدنانير وعندهما ثمنيتها ليست بلازمة بل تحتمل الزوال لأنها ثبتت بالاصطلاح فتزول بالاصطلاح واقدام العاقدين على عقد السلم فيها مع علمهما أنه لا صحة للسلم في الأثمان اتفاق منهما على اخراجها عن صفة الثمنية فتبطل ثمنيتها في حق العاقدين سابقا على العقد وتصير سلعا عددية فيصح السلم فيها كما في سائر السلع العددية كالنصال ونحوها (وأما) الذرعيات كالثياب والبسط والحصير والبواري ونحوها فالقياس أن لا يجوز السلم فيها لأنها ليست من ذوات الأمثال لتفاوت فاحش بين ثوب وثوب ولهذا لم تضمن بالمثل في ضمان العدديات بل بالقيمة فأشبه السلم في اللآلئ والجواهر الا انا استحسنا الجواز لقوله عز وجل في آية الدين ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله والمكيل والموزون لا يقال فيه الصغير والكبير وإنما يقال ذلك في الذرعيات والعدديات ولان الناس تعاملوا السلم في الثياب لحاجتهم إلى ذلك فيكون اجماعا منهم على الجواز فيترك القياس بمقابلته ولأنه إذا بين جنسه وصفته ونوعه
(٢٠٨)