في إبطال حرمة ثبتت بالكتاب على أن المذكور فيها من جملة المستثنى الميتة فما الدليل على أن متروك التسمية عمدا ليس بميتة بل هو ميتة عندنا مع أنه لا يجد فيما أوحى إليه محرما سوى المذكور ونحن لا نطلق اسم المحرم على متروك التسمية إذ المحرم المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به ولم يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الاختلاف بين أهل الديانة وإنما نسميه مكروها أو محرما في حق الاعتقاد قطعا على طريق التعيين بل على الابهام ان ما أراد الله عز وجل من هذا النهى فهو حق لكنا نمتنع عن أكله احتياطا وهو تفسير الحرمة في حق العمل (وأما) الكلام مع مالك رحمه الله فهو احتج بعموم قوله تبارك وتعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه من غير فصل بين العمد والسهو ولان التسمية لما كانت واجبة حالة العمد فكذا حالة النسيان لان النسيان لا يمنع الوجوب والحظر كالخطأ حتى كان الناسي والخاطئ جائز المؤاخذة عقلا ولهذا استوى العمد والسهو في ترك تكبيرة الافتتاح والطهارة وغيرها من الشرائط والكلام في الصلاة عمدا أو سهوا عندكم كذا ههنا (ولنا) ما روى عن راشد بن سعد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ذبيحة المسلم حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد وهذا نص في الباب وأما الآية فلا تتناول متروك التسمية لوجهين أحدهما أنه قال عز وجل وانه لفسق أي ترك التسمية عند الذبح فسق وترك التسمية سهوا لا يكون فسقا وكذا كل متروك التسمية سهوا لا يلحقه سمة الفسق لان المسألة اجتهادية وفيها اختلاف الصحابة فدل ان المراد من الآية الكريمة متروك التسمية عمدا لا سهوا والثاني ان الناسي لم يترك التسمية بل ذكر اسم الله عز وجل والذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب قال الله تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا والناسي ذاكر بقلبه لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن رجل ذبح ونسي أن يذكر اسم الله عليه فقال رضي الله عنه اسم الله عز وجل في قلب كل مسلم فليأكل وعنه في رواية أخرى قال إن المسلم ذكر الله في قلبه وقال كما لا ينفع الاسم في الشرك لا يضر النسيان في الاسلام وعنه رضي الله عنه في رواية أخرى قال في المسلم اسم الله تعالى فإذا ذبح ونسي ان يسمى فكل وإذا ذبح المجوسي وذكر اسم الله تعالى فلا تطعمه وعن سيدنا علي رضي الله عنه سئل عن هذا فقال إنما هي علة المسألة فثبت ان الناسي ذاكر فكانت ذبيحته مذكور التسمية فلا تتناولها الآية الكريمة واما قوله إن النسيان لا يدفع التكليف ولا يدفع الحظر حتى لم يجعل عذرا في بعض المواضع على ما ضرب من الأمثلة فنقول النسيان جعل عذرا مانعا من التكليف والمؤاخذة فيما يغلب وجوده ولم يجعل عذرا فيما لا يغلب وجوده لأنه لو لم يجعل عذرا فيما يغلب وجوده لوقع الناس في الحرج والحرج مدفوع والأصل فيه ان من لم يعود نفسه فعلا يعذر في تركه واشتغاله بضده سهوا لان حفظ النفس عن العادة التي هي طبيعة خامسة خطب صعب وأمر أمر فيكون النسيان فيه غالب الوجود فلو لم يعذر للحقه الحرج وليس كذلك إذا لم يعود نفسه مثاله ان الأكل والشرب من الصائم سهوا جعل عذرا في الشرع حتى لا يفسد صومه لأنه عود نفسه ذلك ولم يعودها ضده وهو الكف عن الأكل والشرب ولم يجعل ذلك عذرا في المصلى لأنه لم يعود نفسه ذلك في كل زمان بل في وقت معهود وهو الغداة والعشي خصوصا في حال الصلاة التي تخالف أوقات الأكل والشرب فكان الأكل والشرب فيها في غاية الندرة فلم يجعل عذرا والكلام في الصلاة من هذا القبيل لان حالة الصلاة تمنع من ذلك عادة فكان النسيان فيها نادرا فلم يجعل عذرا وكذلك ترك تكبيرة الافتتاح سهوا لان الشروع في الصلاة يكون بها وتركها سهوا عند تصميم العزم على الشروع فيها مما يندر فلم يعذر وكذا ترك الطهارة عند حضور وقت الصلاة سهوا لان المسلم على استعداد الصلاة عند هجوم وقتها عادة فالشروع في الصلاة من غير طهارة سهوا يكون نادرا فلا يعذر ويلحق بالعدم فأما ذكر اسم الله تعالى فأمر لم يعوده الذابح نفسه لان الذبح على مجرى العادة يكون من القصابين ومن الصبيان الذين لم يعودوا أنفسهم ذكر الله عز وجل فترك التسمية منهم سهوا لا يندر وجوده بل يغلب فجعل عذرا دفعا للحرج فهو الفرق بين هذه الجملة والله سبحانه وتعالى هو الموفق وإذا ثبت ان التسمية حالة الذكر من شرائط الحل عندنا فبعد ذلك يقع الكلام في بيان ركن التسمية وفي بيان شرائط الركن وفي بيان وقت التسمية أما ركنها فذكر اسم الله عز وجل أي اسم كان
(٤٧)