بيع عشرة أذرع من دار معناه بيع قدر عشرة أذرع مما يحله الذراع الحقيقي لأنه لا يحل الا محلا معينا فكان المبيع قدر عشرة أذرع معين من الدار وهو الذي يحله الذراع الحقيقي وذلك مجهول في نفسه قبل الحلول فكان المبيع مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فيوجب فساد البيع بخلاف السهم لأنه اسم للشائع وهو جزء معلوم من الثلث والربع والعشر ونحو ذلك فبيع عشرة أسهم من مائة سهم من الدار هو بيع عشرة أجزاء من مائة جزء منها وهو عشرها فقد باع جزأ معلوما منها فيجوز بخلاف الذراع فان قدر عشرة أذرع لا يصير معلوما الا بالحلول على ما مر فقبله يكون مجهولا فكان المبيع مجهولا فلم يصح فوضح الفرق بينهما لأبي حنيفة وعلى هذا يخرج ضربة الغائص وهو أن يقول الغائص للتاجر أغوص لك غوصة فما أخرجته فهو لك بكذا وهو فاسد لأن المبيع مجهولا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ضربة الغائص وعلى هذا يخرج أجناس هذه المسائل وبيع رقبة الطريق وهبته منفردا جائز وبيع مسيل الماء وهبته منفردا فاسد (ووجه) الفرق ان الطريق معلوم الطول والعرض فكان المبيع معلوما فجاز بيعه بخلاف المسيل فإنه مجهول القدر لان القدر الذي يشغل الماء من النهر غير معلوم فكان المبيع مجهولا فلم يجز (وأما) العلم بأوصاف المبيع والثمن فهل هو شرط لصحة البيع بعد العلم بالذات والجهل بها هل هو مانع من الصحة قال أصحابنا ليس بشرط الصحة والجهل بها ليس بمانع من الصحة لكنه شرط اللزوم فيصح بيع ما لم يره المشترى لكنه لا يلزم وعند الشافعي رحمه الله كون المبيع معلوم الذات والصفة من شرائط الصحة حتى لا يجوز بيع ما لم يره المشترى عنده (وجه) قوله إن جهالة الذات إنما منعت صحة العقد لافضائها إلى المنازعة لان الأعيان تختلف رغبات الناس فيها لاختلاف ماليتها فالبائع إذا سلم عينا فمن الجائز أن يطلب المشترى عينا أخرى أجود منها باسم الأولى فيتنازعان وجهالة الوصف مفضية إلى المنازعة أيضا لان الغائب عن المجلس إذا أحضره البائع فمن الجائز أن يقول المشترى هذا ليس عين المبيع بل مثله من جنسه فيقعان في المنازعة بسبب عدم الرؤية ولأن عدم الرؤية يوجب تمكن الغرر في البيع ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر وبيان تمكن الغرر ان الغرر هو الخطر وفى هذا البيع خطر من وجوه أحدهما في أصل المعقود عليه والثاني في وصفه لان دليل الوجود إذا كان غائبا هو الخبر وخبر الواحد يحتمل الصدق والكذب فيتردد المعقود عليه بأصله ووصفه بين الوجود والعدم والثالث في وجود التسليم وقت وجوبه لان وقت الوجوب وقت نقد الثمن وقد يتفق النقد وقد لا يتفق والغرر من وجه واحد يكفي لفساد العقد فكيف من وجوه ثلاثة وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تبع ما ليس عندك وعند كلمة حضرة والغيبة تنافيها والخلاف في البيع والشراء خلاف واحد (ولنا) عمومات البيع من غير فصل ونص خاص وهو ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ولا خيار شرعا الا في بيع مشروع ولان ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى محل هو خالص ملكه فيصح كشراء المرئى وهذا لان وجود التصرف حقيقة بوجود ركنه ووجوده شرعا لصدوره من أهله وحلوله في محله وقوله جهالة الوصف تفضى إلى المنازعة ممنوع لأنه صدقه في خبره حيث اشتراه فالظاهر أنه لا يكذبه ودعوى الغرر ممنوعة فان الغرر هو الخطر الذي استوى فيه طرف الوجود والعدم بمنزلة الشك وههنا ترجح جانب الوجود على جانب العدم بالخبر الراجح صدقه على كذبه فلم يكن فيه غرر على أنا ان سلمنا ان الغرر اسم لمطلق الخطر لكن لم قلتم ان كل غرر يفسد العقد وأما الحديث فيحتمل أن يكون الغرر هو الخطر ويحتمل أن يكون من الغرر فلا يكون حجة مع الاحتمال أو نحمله على الغرر في صلب العقد بالتعليق بشرط أو بالإضافة إلى وقت عملا بالدلائل كلها وأما الحديث الثاني فيحتمل أن يكون المراد منه بيع ما ليس بمملوك له عن نفسه لا بطريق النيابة عن مالكه أو بيع شئ مباح على أن يستولي عليه فيملكه فيسلمه وهذا يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال بيع السمك في الماء غرر وعلى هذا الخلاف إذا باع شيئا لم يره البائع انه يجوز عندنا وعنده لا يجوز وإذا جاز عندنا فهل يثبت الخيار للبائع فعن أبي حنيفة روايتان نذكر ذلك في موضعه إن شاء الله
(١٦٣)