خرج الجواب عما ذكره المخالف وذكر الجصاص ان جواب الكتاب ينبغي أن يكون قولهما فاما على قول أبي حنيفة ينبغي ان لا يحرم وإن كان اللبن غالبا وقاس الماء على الطعام وجمع بينهما من حيث إن اختلاطه بالماء يسلب قوته وإن كان الماء قليلا كاختلاطه بالطعام القليل وفى ظاهر الرواية أطلق الجواب ولم يذكر الخلاف ولو اختلط بلبن البهائم كلبن الشاة وغيره يعتبر فيه الغالب أيضا لما ذكرنا ولو اختلط لبن امرأة أخرى فالحكم أخرى فالحكم للغالب منهما في قول أبى يوسف وروى عن أبي حنيفة كذلك وعند محمد يثبت الحرمة منهما جميعا وهو قول زفر وجه قول محمد ان اللبنين من جنس واحد والجنس لا يغلب فلا يكون خلط الجنس بالجنس استهلاكا فلا يصير القليل مستهلكا في الكثير فيغذى الصبي كل واحد منهما بقدره بانبات اللحم وانشار العظم أو سد الجوع لان أحدهما لا يسلب قوة الاخر والدليل على أن خلط الجنس بالجنس لا يكون استهلاكا له ان من غصب من آخر زيتا فخلطه بزيت آخر اشتركا فيه في قولهم جميعا ولو خلطه بشيرج وبدهن آخر من غير جنسه يعتبر الغالب فإن كان الغالب هو المغصوب كان لصاحبه أن يأخذه ويعطيه قسط ما اختلط بزيته وإن كان الغالب غير المغصوب صار المغصوب مستهلكا فيه ولم يكن له أن يشاركه فيه ولكن الغاصب يغرم له مثل ما غصبه فدل ذلك على اختلاف حكم الجنس الواحد والجنسين وأبو يوسف اعتبر هذا النوع من الاختلاط باختلاط اللبن بالماء وهناك الحكم للغالب كذا ههنا ولمحمد ان يفرق بين الفصلين فان اختلاط اللبن بما هو من جنسه لا يوجب الاخلال بمعنى التغذي من كل واحد منهما بقدره لان أحدهما لا يسلب قوة الآخر وليس كذلك اختلاط اللبن بالماء واللبن مغلوب لأن الماء يسلب قوة اللبن أو يخل فلا يحصل التغذي أو يختل والله عز وجل أعلم ولو طلق الرجل امرأته ولها لبن من ولد كانت ولدته منه فانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر وهي كذلك فأرضعت صبيا عند الثاني ينظر ان أرضعت قبل ان تحمل من الثاني فالرضاع من الأول بالاجماع لان اللبن نزل من الأول فلا يرتفع حكمه بارتفاع النكاح كما لا يرتفع بالموت وكما لو حلب منها لبن ثم ماتت لا يبطل حكم الرضاع من لبنها كذا هذا وان أرضعت بعدما وضعت من الثاني فالرضاع من الثاني بالاجماع لان اللبن منه ظاهرا وان أرضعت بعد ما حملت من الثاني قبل أن تضع فالرضاع من الأول إلى أن تضع في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ان علم أن هذا اللبن من الثاني بان ازداد لبنها فالرضاع من الثاني وان لم يعلم فالرضاع من الأول وروى الحسن بن زياد عنه أنها إذا حلبت فاللبن للثاني وقال محمد وزفر الرضاع منهما جميعا إلى أن تلد فإذا ولدت فهو من الثاني وجه قول محمد أن اللبن الأول باقي والحمل سبب لحدوث زيادة لبن فيجتمع لبنان في ثدي واحد فتثبت الحرمة بهما كما قال في اختلاط أحد اللبنين بالآخر بخلاف ما إذا وضعت لان اللبن الأول ينقطع بالوضع ظاهرا وغالبا فكان اللبن من الثاني فكان الرضاع منه وجه قول أبي يوسف أن الحامل قد ينزل لها لبن فلما ازداد لبنها عند الحمل من الثاني دل أن الزيادة من الحمل الثاني إذ لو لم يكن لكان لا يزداد بل ينقص إذ العادة أن اللبن ينقص بمضي الزمان ولا يزداد فكانت الزيادة دليلا على أنها من الحمل الثاني لا من الأول وجه رواية الحسن عنه ان العادة ان بالحمل ينقطع اللبن الأول ويحدث عنده لبن آخر فكان الموجود عند الحمل الثاني من الحمل الثاني لا من الأول فكان الرضاع منه لا من الأول ولأبي حنيفة أن نزول اللبن من الأول ثبت بيقين وهو ولادة أخرى لا الحمل لان الحامل قد ينزل لها لبن بسبب الحمل وقد لا ينزل حتى تضع والثابت بيقين لا يزول بالشك وأما قول أبي يوسف لما ازداد اللبن دل على حدوث اللبن من الثاني فممنوع أن زيادة اللبن تدل على حدوث اللبن من الحمل فان لزيادة اللبن أسبابا من زيادة الغذاء وجودته وصحة البدن واعتدال الطبيعة وغير ذلك فلا يدل الحمل على حدوث الزيادة بالشك فلا ينقطع الحكم عن الأول بالشك وقد خرج الجواب عما قاله محمد والله الموفق للصواب ويستوى في تحريم الرضاع الرضاع المقارن للنكاح والطارئ عليه لان دلائل التحريم لا توجب الفصل بينهما وبيان هذا الأصل في
(١٠)