جناح عليكم نفى سبحانه وتعالى الجناح عمن يسترضع ولده والمراد منه الاسترضاع بالأجرة دليله قوله تعالى إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قيل أي الاجر الذي قبلتم وقوله فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وهذا نص وهو في المطلقات وأما السنة فما روى محمد في الأصل عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا ينكح على خطبته ولا تناجشوا ولا تبيعوا بالقاء الحجر ومن استأجر أجير فليعلمه أجره وهذا منه صلى الله عليه وسلم تعليم شرط جواز الإجارة وهو اعلام الاجر فيدل على الجواز وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه أمر صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى اعطاء أجر الأجير قبل فراغه من العمل من غير فصل فيدل على جواز الإجارة وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت استأجر رسول اله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا من بنى الدئل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الدئلي فأخذ بهم طريق الساحل وأدنى ما يستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الجواز وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رافع بن خديج وهو في حائط فأعجبه فقال لمن هذا الحائط فقال لي يا رسول الله استأجرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستأجره بشئ منه خص صلى الله عليه وسلم النهى باستئجاره ببعض الخارج منه ولو لم تكن الإجارة جائزة أصلا لعم النهى إذ النهى عن المنكر واجب وكذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يؤاجرون ويستأجرون فلم ينكر عليهم فكان ذلك تقريرا منه والتقرير أحد وجوه السنة واما الاجماع فان الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود الأصم حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا من غير نكير فلا يعبا بخلافه إذ هو خلاف الاجماع وبه تبين ان القياس متروك لان الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد وحاجتهم إلى الإجارة ماستهم لان كل واحد لا يكون له دارا مملوكة يسكنها أو أرض مملوكة يزرعها أو دابة مملوكة يركبها وقد لا يمكنه تملكها بالشراء لعدم الثمن ولا بالهبة والإعارة لان نفس كل واحد لا تسمح بذلك فيحتاج إلى الإجارة فجوزت بخلاف القياس لحاجة الناس كالسلم ونحوه تحقيقه ان الشرع شرع لكل حاجة عقدا يختص بها فشرع لتمليك العين بعوض عقدا وهو البيع وشرع لتمليكها بغير عوض عقدا وهو الهبة وشرع لتمليك المنفعة بغير عوض عقدا وهو الإعارة فلو لم يشرع الإجارة مع امتساس الحاجة إليها لم يجد العبد لدفع هذه الحاجة سبيلا وهذا خلاف موضوع الشرع (فصل) وأما ركن الإجارة ومعناها اما ركنها فالايجاب والقبول وذلك بلفظ دال عليها وهو لفظ الإجارة والاستئجار والاكتراء والاكراء فإذا وجد ذلك فقد تم الركن والكلام في صيغة الايجاب والقبول وصفتهما في الإجارة كالكلام فيهما في البيع وقد ذكرنا ذلك في كتاب البيوع وأما معنى الإجارة فالإجارة بيع المنفعة لغة ولهذا سماها أهل المدينة بيعا وأرادوا به بيع المنفعة وهذا سمى البدل في هذا العقد أجرة وسمى الله بدل الرضاع أجر بقوله فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن والأجرة بدل المنفعة لغة ولهذا سمى المهر في باب النكاح اجر بقوله عز وجل فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن أي مهروهن لان المهر بدل المنفعة البضع وسواء أضيف إلى الدور والمنازل والبيوت والحوانيت والحمامات والفساطيط وعبيد الخدمة والدواب والثياب والحلي والأواني والظروف ونحو ذلك أو إلى الصناع من القصار والخياط والصباغ والصائغ والنجار والبناء ونحوهم والأجير قد يكون خاصا وهو الذي يعمل لواحد وهو المسمى بأجير الوحد وقد يكون مشتركا وهو الذي يعمل لعامة الناس وهو المسمى بالأجير المشترك وذكر بعض المشايخ ان الإجارة نوعان إجارة على المنافع وإجارة على الاعمال وفسر النوعين بما ذكرنا وجعل المعقود عليه في أحد النوعين المنفعة وفى الآخر العمل وهي في الحقيقة نوع واحد لأنها بيع المنفعة فكان المعقود عليه
(١٧٤)