فهذا يدل على أن سالما كان مخصوصا بذلك وما كان خصوصية بعض الناس لمعنى لا نعقله لا يحتمل القياس ولا نترك به الأصل المقرر في الشرع والثاني ان رضاع الكبير كان محرما ثم صار منسوخا بما روينا من الاخبار وأما عمل عائشة رضي الله عنها فقد روى عنها ما يدل على رجوعها فإنه روى عنها انها قالت لا يحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم والدم وروى أنها كانت تأمر بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم ان ترضع الصبيان حتى يدخلوا عليها إذا صاروا رجالا على أن عملها معارض بعمل سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن كن لا يرين أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحد من الرجال والمعارض لا يكون حجة وإذا ثبت ان رضاع الكبير لا يحرم ورضاع الصغير محرم فلا بد من بيان الحد الفاصل بين الصغير والكبير في حكم الرضاع وهو بيان مدة الرضاع المحرم وقد اختلف فيه قال أبو حنيفة ثلاثون شهرا ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم أو لم يفطم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حولان لا يحرم بعد ذلك فطم أو لم يفطم وهو قول الشافعي وقال زفر ثلاثة أحوال وقال بعضهم خمس عشرة سنة وقال بعضهم أربعون سنة احتج أبو يوسف ومحمد بقوله والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة جعل الله تعالى الحولين الكاملين تمام مدة الرضاع وليس وراء التمام شئ وبقوله تعالى وفصاله في عامين وقوله عز وجل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأقل مدة الحمل ستة أشهر فبقي مدة الفصال حولين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا رضاع بعد الحولين وهذا نص في الباب ولأبي حنيفة قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة أثبت الحرمة بالرضاع مطلقا عن التعرض لزمان الارضاع الا انه قام الدليل على أن زمان ما يعد الثلاثين شهرا ليس بمراد فيعمل باطلاقه فيما وراءه وقوله تعالى فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور والاستدلال به من وجهين أحدهما انه أثبت لهما إرادة الفصال بعد الحولين لان الفاء للتعقيب فيقتضى بقاء الرضاع بعد الحولين ليتحقق الفصال بعدهما والثاني انه أثبت لهما إرادة الفصال مطلقا عن الوقت ولا يكون الفصال الا عن الرضاع فدل على بقاء حكم الرضاع في مطلق الوقت إلى أن يقوم الدليل على التقييد وقوله تعالى وان أردتم ان تسترضعوا أولادكم أثبت لهما إرادة الاسترضاع مطلقا عن الوقت فمن ادعى التقييد بالحولين فعليه الدليل ولان الارضاع إنما يوجب الحرمة لكونه منبتا للحم منشرا للعظم على ما نطق به الحديث ومن المحال عادة أن يكون منبتا للحم إلى الحولين ثم لا ينبت بعد الحولين بساعة لطيفة لان الله تعالى ما أجرى العادة بتغير الغذاء الا بعد مدة معتبرة ولأن المرأة قد تلد في البرد الشديد والحر الشديد فإذا تم على الصبي سنتان لا يجوز ان تؤمر المرأة بفطامه لأنه يخاف منه الهلاك على الولد إذ لو لم يعود بغيره من الطعام فلابد وان تؤمر بالرضاع ومحال أن تؤمر بالرضاع ويحرم عليها الرضاع في وقت واحد فدل ان الرضاع بعد الحولين يكون رضاعا الا أن أبا حنيفة استحسن في تقديره مدة ابقاء حكم الرضاع بعد الحولين بستة أشهر لأنه أقل مدة تغير الولد فان الولد يبقى في بطن أمه ستة أشهر يتغذى بغذائها ثم ينفصل فيصير أصلا في الغذاء وزفر اعتبر بعد الحولين سنة كاملة فقال لما ثبت حكم الرضاع في ابتداء السنة الثالثة لما قاله أبو حنيفة يثبت في بقيتها كالسنة الأولى والثانية وأما الآية الأولى ففيها ان الحولين مدة الرضاع في حق من أراد تمام الرضاعة وهذا لا ينفي أن يكون الزائد على الحولين مدة الرضاع في حق من لم يرد أن يتم الرضاعة مع ما أن ذكر الشئ بالتمام لا ليمنع من احتمال الزيادة عليه ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك عرفة فقد تم حجه وهذا لا يمنع زيادة الفرض عليه فان طواف الزيارة من فروض الحج على أن في الآية الكريمة ان الحولين تمام مدة الرضاع لكنها تمام مدة الرضاع في حق الحرمة أو في حق وجوب أجر الرضاع على الأب فالنص لا يتعرض له وعندهما تمام مدة الرضاع في حق وجوب الاجر على الأب حتى أن الام المطلقة إذا طلبت الاجر بعد الحولين ولا ترضع بلا أجر لم يجبر الأب على أجر الرضاع فيما زاد على الحولين أو تحمل الآية على هذا
(٦)