بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٤ - الصفحة ٦
فهذا يدل على أن سالما كان مخصوصا بذلك وما كان خصوصية بعض الناس لمعنى لا نعقله لا يحتمل القياس ولا نترك به الأصل المقرر في الشرع والثاني ان رضاع الكبير كان محرما ثم صار منسوخا بما روينا من الاخبار وأما عمل عائشة رضي الله عنها فقد روى عنها ما يدل على رجوعها فإنه روى عنها انها قالت لا يحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم والدم وروى أنها كانت تأمر بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم ان ترضع الصبيان حتى يدخلوا عليها إذا صاروا رجالا على أن عملها معارض بعمل سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن كن لا يرين أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحد من الرجال والمعارض لا يكون حجة وإذا ثبت ان رضاع الكبير لا يحرم ورضاع الصغير محرم فلا بد من بيان الحد الفاصل بين الصغير والكبير في حكم الرضاع وهو بيان مدة الرضاع المحرم وقد اختلف فيه قال أبو حنيفة ثلاثون شهرا ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم أو لم يفطم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حولان لا يحرم بعد ذلك فطم أو لم يفطم وهو قول الشافعي وقال زفر ثلاثة أحوال وقال بعضهم خمس عشرة سنة وقال بعضهم أربعون سنة احتج أبو يوسف ومحمد بقوله والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة جعل الله تعالى الحولين الكاملين تمام مدة الرضاع وليس وراء التمام شئ وبقوله تعالى وفصاله في عامين وقوله عز وجل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأقل مدة الحمل ستة أشهر فبقي مدة الفصال حولين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا رضاع بعد الحولين وهذا نص في الباب ولأبي حنيفة قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة أثبت الحرمة بالرضاع مطلقا عن التعرض لزمان الارضاع الا انه قام الدليل على أن زمان ما يعد الثلاثين شهرا ليس بمراد فيعمل باطلاقه فيما وراءه وقوله تعالى فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور والاستدلال به من وجهين أحدهما انه أثبت لهما إرادة الفصال بعد الحولين لان الفاء للتعقيب فيقتضى بقاء الرضاع بعد الحولين ليتحقق الفصال بعدهما والثاني انه أثبت لهما إرادة الفصال مطلقا عن الوقت ولا يكون الفصال الا عن الرضاع فدل على بقاء حكم الرضاع في مطلق الوقت إلى أن يقوم الدليل على التقييد وقوله تعالى وان أردتم ان تسترضعوا أولادكم أثبت لهما إرادة الاسترضاع مطلقا عن الوقت فمن ادعى التقييد بالحولين فعليه الدليل ولان الارضاع إنما يوجب الحرمة لكونه منبتا للحم منشرا للعظم على ما نطق به الحديث ومن المحال عادة أن يكون منبتا للحم إلى الحولين ثم لا ينبت بعد الحولين بساعة لطيفة لان الله تعالى ما أجرى العادة بتغير الغذاء الا بعد مدة معتبرة ولأن المرأة قد تلد في البرد الشديد والحر الشديد فإذا تم على الصبي سنتان لا يجوز ان تؤمر المرأة بفطامه لأنه يخاف منه الهلاك على الولد إذ لو لم يعود بغيره من الطعام فلابد وان تؤمر بالرضاع ومحال أن تؤمر بالرضاع ويحرم عليها الرضاع في وقت واحد فدل ان الرضاع بعد الحولين يكون رضاعا الا أن أبا حنيفة استحسن في تقديره مدة ابقاء حكم الرضاع بعد الحولين بستة أشهر لأنه أقل مدة تغير الولد فان الولد يبقى في بطن أمه ستة أشهر يتغذى بغذائها ثم ينفصل فيصير أصلا في الغذاء وزفر اعتبر بعد الحولين سنة كاملة فقال لما ثبت حكم الرضاع في ابتداء السنة الثالثة لما قاله أبو حنيفة يثبت في بقيتها كالسنة الأولى والثانية وأما الآية الأولى ففيها ان الحولين مدة الرضاع في حق من أراد تمام الرضاعة وهذا لا ينفي أن يكون الزائد على الحولين مدة الرضاع في حق من لم يرد أن يتم الرضاعة مع ما أن ذكر الشئ بالتمام لا ليمنع من احتمال الزيادة عليه ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك عرفة فقد تم حجه وهذا لا يمنع زيادة الفرض عليه فان طواف الزيارة من فروض الحج على أن في الآية الكريمة ان الحولين تمام مدة الرضاع لكنها تمام مدة الرضاع في حق الحرمة أو في حق وجوب أجر الرضاع على الأب فالنص لا يتعرض له وعندهما تمام مدة الرضاع في حق وجوب الاجر على الأب حتى أن الام المطلقة إذا طلبت الاجر بعد الحولين ولا ترضع بلا أجر لم يجبر الأب على أجر الرضاع فيما زاد على الحولين أو تحمل الآية على هذا
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 في الرضاع واحكامه. 2
2 في النفقة وأنواعها. 15
3 في أسباب وجوب نفقة الزوجة. 16
4 في شرائط وجوب نفقة الزوجة. 18
5 في بيان مقدار الواجب من النفقة. 23
6 في بيان كيفية وجوب هذه النفقة. 25
7 في بيان مسقطات النفقة بعد وجوبها. 29
8 في نفقة الأقارب. 30
9 في بيان أسباب وجوب نفقة الأقارب. 31
10 في شرائط وجوب نفقة الأقارب. 34
11 في بيان كيفية وجوب نفقة الأقارب ومسقطاتها. 38
12 في نفقة الرقيق. 38
13 في بيان أسباب وجوب نفقة الرقيق وشرايط وجوبها. 39
14 في بيان مقدار الواجب من نفقة الرقيق وكيفية وجوبها. 40
15 كتاب الحضانة. 40
16 في بيان من له الحضانة. 41
17 في بيان مكان الحضانة. 44
18 كتاب الاعتاق في بيان الاعتاق وأنواعه 45
19 في أركان الاعتاق. 46
20 في بيان شرائط أركان الاعتاق. 55
21 في بيان صفة الاعتاق. 86
22 في بيان احكام الاعتاق. 98
23 في بيان ما يظهر به حكم الاعتاق. 110
24 كتاب التدبير في التدبير وبيان أركانه. 112
25 في بيان شرائط أركان التدبير. 115
26 في بيان صفة التدبير. 116
27 في بيان احكام التدبير. 120
28 في بيان ما يظهر به التدبير. 123
29 كتاب الاستيلاد في الاستيلاد وتفسيره لفة وعرفا. 123
30 في بيان سبب الاستيلاد. 124
31 في بيان صفة الاستيلاد واحكامه 129
32 في بيان ما يظهر به الاستيلاد. 133
33 كتاب المكاتب في المكاتبة وجوازها. 133
34 في بيان أركان المكاتبة وشرائطها. 134
35 في بيان الذي يرجع إلى المكاتبة. 136
36 في بيان الذي يرجع إلى بدل الكتابة. 137
37 في بيان الذي يرجع إلى نفس الركن من شرائط الصحة. 141
38 في بيان ما يملك المكاتب من التصرفات. 143
39 في بيان صفة المكاتبة. 147
40 في بيان احكام المكاتبة وما يملكه المولى من التصرف في المكاتب. 150
41 في بيان ما تنفسخ به الكتابة. 159
42 كتاب الولإ في الولاء وأنواعه وبيان ولاء العتاقة. 159
43 في بيان ولاء المولاة. 170
44 في بيان ما يظهر به الولاء. 173
45 كتاب الإجارة في الإجارة وبيان جوازها. 173
46 في بيان أركان الإجارة ومعناها. 174
47 في بيان شرائط الأركان. 176
48 في بيان صفة الإجارة. 201
49 في بيان أحكام الإجارة. 201
50 في بيان احكام إختلاف المتعاقدين. 218
51 في بيان ما ينتهي به عقد الإجارة. 222