منكوحة أبيه إذا ولدت ابنا ولها بنت من زوج آخر فهي أخت أخيه لأبيه فيجوز له أن يتزوجها وكذا يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخته من الرضاع وهذا ظاهر ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم المرضع من النسب لان المرضع ابنه ويجوز للانسان أن يتزوج أم ابنه من النسب وكذا أب المرضع من النسب يجوز له أن يتزوج المرضعة لأنها أم ابنه من الرضاع فهي كأم ابنه من النسب وكذا يجوز له أن يتزوج بمحارم أبي الصبي من الرضاعة أو النسب كما يجوز له أن يتزوج بأمه والله عز وجل أعلم (فصل) وأما صفة الرضاع المحرم فالرضاع المحرم ما يكون في حال الصغر فاما ما يكون في حال الكبر فلا يحرم عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم الا ما روى عن عائشة رضي الله عنها انه يحرم في الصغر والكبر جميعا واحتجت بظاهر قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة من غير فصل بين حال الصغر والكبر وروى أن أبا حذيفة تبنى سالما وكان يدخل على امرأته سهلة بنت سهيل فلما نزلت آية الحجاب أتت سهلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله قد كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل على وليس لنا الا بيت واحد فماذا ترى في شأنه فقال لها رسول الله صلى الله عليه سلم أرضعيه عشر رضعات ثم يدخل عليك وكان سالم كبيرا فدل ان الرضاع في حال الصغر والكبر محرم وقد عملت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى روى عنها انها كانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنها وبنات أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ان يرضعنه فدل عملها بالحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على أنه غير منسوخ ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما على عائشة رضي الله عنها فوجد عندها رجلا فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذا الرجل فقالت عائشة هذا عمى من الرضاعة فقال رسول الله صلى الله عليه سلم انظرن ما أخواتكم من الرضاعة إنما الرضاعة من المجاعة أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الرضاع في الصغر هو المحرم إذ هو الذي يدفع الجوع فاما جوع الكبير فلا يندفع بالرضاع وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم وذلك هو رضاع الصغير دون الكبير لان ارضاعه لا ينبت اللحم ولا ينشر العظم وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الرضاع ما فتق الأمعاء ورضاع الصغير هو الذي يفتق الأمعاء لا رضاع الكبير لان أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها الا اللبن لكونه من ألطف الأغذية كما وصفه الله تعالى في كتابه الكريم بقوله عز وجل لبنا خالصا سائغا للشاربين فاما أمعاء الكبير فمنفتقة لا تحتاج إلى الفتق باللبن وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا رضاع بعد فصال وروى أن رجلا من أهل البادية ولدت امرأته ولدا فمات ولدها فورم ثدي المرأة فجعل الرجل يمصه ويمجه فدخلت جرعة منه حلقه فسأل عنه أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال قد حرمت عليك ثم جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال هل سألت أحد فقال نعم سألت أبا موسى الأشعري فقال حرمت عليك فجاء ابن مسعود أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له أما علمت أنه إنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم فقال أبو موسى لا تسألوني عن شئ ما دام هذا الحبر بين أظهركم وعن عبد الله بن عمر أن رجلا جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال كانت لي وليدة أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك مقدور الله أرضعتها فقال عمر رضي الله عنه واقعها فهي جاريتك فإنما الرضاعة عند الصغر وبهذا تبين ان ليس المراد من الآية الكريمة رضاع الكبير لان النبي صلى الله عليه وسلم فسر الرضاع المحرم بكونه دافعا للجوع منبتا للحم منشرا للعظم فاتقا للأمعاء وهذا وصف رضاع الصغير لا الكبير فصارت السنة مبينة لما في الكتاب أصله أما حديث سالم فالجواب عن التعلق به من وجهين أحدهما يحتمل انه كان مخصوصا بذلك يدل عليه ما روى أن سائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أبين أن يدخل عليهن بالرضاع في حال الكبر أحد من الرجال وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل الا رخصة في سالم وحده
(٥)